“كورونا” بين نظرية المؤامرة والتشمت

| رضي السماك

لا‭ ‬شيء‭ ‬يقلق‭ ‬الناس‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ڤيروس‭ ‬“كورونا”‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬حتى‭ ‬يكاد‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬حروب‭ ‬المنطقة‭ ‬ونزاعاتها؛‭ ‬فمنذ‭ ‬بات‭ ‬العالم‭ ‬قرية‭ ‬كونية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تلاشت‭ ‬المسافات‭ ‬البعيدة‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬والقارات‭ ‬بفعل‭ ‬التطور‭ ‬المذهل‭ ‬لثورة‭ ‬الاتصالات،‭ ‬أضحت‭ ‬البشرية‭ ‬موعودة‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬بظهور‭ ‬فيروس‭ ‬جديد،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬أحرزته‭ ‬الحضارة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬والوعي‭ ‬الصحي‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الجديد‭ ‬يذكرنا‭ ‬بفيلم‭ ‬أميركي‭ ‬عُرض‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬العالمية‭ ‬مطلع‭ ‬العقد‭ ‬بعنوان‭ ‬عدوى‭ ‬CONTAGION‭ ‬للمخرج‭ ‬الأميركي‭ ‬ستيفن‭ ‬سودر‭ ‬بيرج،‭ ‬وسيناريو‭ ‬سكوت‭ ‬بيرنز،‭ ‬وقد‭ ‬أعادت‭ ‬صحيفة‭ ‬“ديلي‭ ‬ميل”‭ ‬البريطانية‭ ‬التذكير‭ ‬به‭ ‬واعتبرته‭ ‬أنه‭ ‬تنبأ‭ ‬بحدوثه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬شجعنا‭ ‬على‭ ‬مشاهدته‭ ‬في‭ ‬نادينا‭ ‬السينمائي‭ ‬الأسبوعي‭  ‬بحضور‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المثقفين،‭ ‬حيث‭ ‬نعرض‭ ‬أحد‭ ‬الأفلام‭ ‬الجديدة‭ ‬المقترحة،‭ ‬ويستضيفنا‭ ‬الصديق‭ ‬رياض‭ ‬خميس‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قاعات‭ ‬منزله‭ ‬السردابية‭ ‬والمزودة‭ ‬بشاشة‭ ‬عرض‭ ‬كبيرة‭ ‬ذات‭ ‬مؤثرات‭ ‬صوتية‭ ‬مناسبة‭.‬

تقوم‭ ‬فكرة‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬ببطولته‭ ‬مات‭ ‬ديمون‭ ‬وغوينيث‭ ‬بالترو‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬فيروس‭ ‬فتّاك‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينتشر‭ ‬عالمياً،‭ ‬بينما‭ ‬تبذل‭ ‬مراكز‭ ‬السيطرة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ومنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬جهوداً‭ ‬جبّارة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشاره‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليه‭ ‬بكل‭ ‬السُبل‭ ‬العلاجية‭ ‬العلمية‭ ‬والوقائية‭ ‬الممكنة،‭ ‬ولا‭ ‬ينسى‭ ‬الفيلم‭ ‬تذكيرنا‭ ‬بهوس‭ ‬الناس‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المصل‭ ‬المضاد‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ندرته‭ ‬أو‭ ‬اختفائه،‭ ‬كما‭ ‬يعرض‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬استغلال‭ ‬شركات‭ ‬الأدوية‭ ‬هذا‭ ‬الهوس‭ ‬لمراكمة‭ ‬الأرباح‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتوسع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬المهمة،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭ ‬وعلى‭ ‬طريقة‭ ‬“فلاش‭ ‬باك”‭ ‬لليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬يتابعها‭ ‬الفيلم‭ ‬يوماً‭ ‬بيوم‭ ‬يسلط‭ ‬المخرج‭ ‬فجأةً‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الخفافيش‭ ‬ليومئ‭ ‬بمسؤوليتها‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬الفيروس،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬تناقل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬فيديو‭ ‬شوربة‭ ‬الخفاش‭ ‬التي‭ ‬يشاع‭ ‬بأن‭ ‬الصينيين‭ ‬يقبلون‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬وجباتهم،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ - ‬في‭ ‬نظرنا‭ - ‬بمثابة‭ ‬تعريض‭ ‬بثقافة‭ ‬شعب‭ ‬غذائية‭ ‬وازدرائها،‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬مدى‭ ‬استساغتها‭ ‬مادامت‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬عاداته‭ ‬ومأكولاته‭ ‬الغذائية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يستسيغها‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭. ‬

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬وجدت‭ ‬هنا‭ ‬“نظرية‭ ‬المؤامرة”‭ ‬ضالتها‭ ‬لتزايد‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬بإلقاء‭ ‬تهمة‭ ‬ظهور‭ ‬الوباء‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬أميركا،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الحاكم‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعاً‭ ‬طارئاً‭ ‬برئاسة‭ ‬زعيمه‭ ‬شي‭ ‬جينبينج‭ ‬واعترف‭ ‬المكتب‭ ‬بأن‭ ‬البلاد‭ ‬تواجه‭ ‬وضعاً‭ ‬خطيراً‭ ‬لتسارع‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬ستنتصر‭ ‬عليه،‭ ‬واستنفرت‭ ‬الدولة‭ ‬كل‭ ‬إمكانياتها‭ ‬العلمية‭ ‬والعلاجية‭ ‬لمواجهته،‭ ‬ولأن‭ ‬حُمى‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تعمي‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬للتعاون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬وباء‭ ‬يهدد‭ ‬قريتنا‭ ‬الكونية‭ ‬المشتركة‭ ‬لا‭ ‬الصين‭ ‬وحدها،‭ ‬وجدنا‭ ‬واشنطن‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬أشبه‭ ‬بالمتشمت،‭ ‬فلم‭ ‬يتورع‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬بومبيو‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬تصاعد‭ ‬محنة‭ ‬الشعب‭ ‬الصيني‭ ‬عن‭ ‬التصريح‭ ‬بأن‭ ‬قيادتها‭ ‬تشكل‭ ‬“التهديد‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬عصرنا”‭.‬