جماعة “السفارة والآميش”.. خلقُ عالمٍ شاذٍّ

| عادل عيسى المرزوق

في‭ ‬إحدى‭ ‬فعالياتها‭ ‬وبرامجها،‭ ‬تحدّث‭ ‬نفرٌ‭ ‬ليس‭ ‬بالمحدود‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬التجديد‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬“السفارة”‭ ‬ضمن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬باقاتها‭ ‬عن‭ ‬الأخوّة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الضائعة‭ ‬ومن‭ ‬قبلها‭ ‬عن‭ ‬الأسرة‭ ‬وخطر‭ ‬الإدمان‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬منها‭ ‬للموبايل‭ ‬فون‭.‬

وهنا‭ ‬تذكرت‭ ‬برنامجًا‭ ‬تلفزيونيًّا‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬“المهمة”‭ ‬للإعلامية‭ ‬المصرية‭ ‬منى‭ ‬عراقي،‭ ‬وهي‭ ‬تتحدّث‭ ‬عن‭ ‬قوم‭ ‬يسكنون‭ ‬ولاية‭ ‬لانكستر‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬كندا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬ويطلقون‭ ‬عليهم‭ ‬اسم‭ ‬“الآميش”،‭ ‬هذا‭ ‬القوم‭ ‬يمنع‭ ‬التعامل‭ ‬بـ”الموبايل‭ ‬فون”‭ ‬ويحرّم‭ ‬التصوير،‭ ‬ويرتدون‭ ‬ملابس‭ ‬“سادة”‭ ‬أي‭ ‬غير‭ ‬منقوشة‭ ‬ولا‭ ‬يتزوّجون‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬ويعيشون‭ ‬عالمًا‭ ‬منغلقًا‭ ‬منكفئًا‭ ‬على‭ ‬عاداتهم‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إقامة‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يخالف‭ ‬قوانين‭ ‬وأعراف‭ ‬هؤلاء‭ ‬القوم‭.‬

‭ ‬تذكرت‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬دستور‭ ‬“السفارة”،‭ ‬وأنا‭ ‬أتابع‭ ‬باقاتهم‭ ‬الميمونة‭ ‬وهم‭ ‬يتناولون‭ ‬موضوع‭ ‬الإدمان‭ ‬الجديد‭ ‬ومخاطره‭ ‬على‭ ‬الأسرة،‭ ‬ومع‭ ‬الفارق‭ ‬الرهيب‭ ‬في‭ ‬المنتج‭ ‬النهائي‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬ألاحظ‭ ‬حجم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬“السفارة”‭ ‬وبين‭ ‬“الآميش”،‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يدعون‭ ‬أنه‭ ‬تجديدًا‭ ‬وبين‭ ‬أمة‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬نسعى‭ ‬لكي‭ ‬نخلق‭ ‬عالمًا‭ ‬شاذًّا‭ ‬وسط‭ ‬عوالم‭ ‬أخرى‭ ‬متعددة‭ ‬الألوان‭ ‬والأعراق‭.‬

“السفارة”‭ ‬وقتذاك‭ ‬كانت‭ ‬تُهيِّئ‭ ‬المناخ‭ ‬لاستقبال‭ ‬هجمة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الموبايل‭ ‬فون‭ ‬بوصفه‭ ‬“مخدِّرًا”‭ ‬وتنسى‭ ‬فتواها‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬على‭ ‬جروح‭ ‬القاصرين‭ ‬عندما‭ ‬تفرض‭ ‬عليهم‭ ‬عدم‭ ‬الزواج‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬بني‭ ‬جلدتهم،‭ ‬ومن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العُرف‭ ‬الوهمي‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬إقامته‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬لجنة‭ ‬أشباه‭ ‬حكماء،‭ ‬ما‭ ‬أشبه‭ ‬السفارة‭ ‬بـ”الآميش”،‭ ‬الفرق‭ ‬الوحيد‭ ‬أن‭ ‬“الآميش”‭ ‬منتجون،‭ ‬نواياهم‭ ‬طيبة،‭ ‬و”السفارة”‭ ‬كسالى‭ ‬ونواياهم‭ ‬مُغرضة،‭ ‬“الآميش”‭ ‬يحاولون‭ ‬الوصول‭ ‬بالخليقة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬“المجدّدون”‭ ‬يحاولون‭ ‬الوصول‭ ‬بأمة‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬الجاهلية‭ ‬الأولى‭.‬

الأخوّة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الضائعة،‭ ‬تضيع‭ ‬عندما‭ ‬تخضع‭ ‬لتهويمات‭ ‬وأباطيل‭ ‬“السفارة”‭ ‬كجماعة‭ ‬مارقة،‭ ‬والأخوّة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الضائعة‭ ‬ضاعت‭ ‬لأنها‭ ‬تشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أمثالكم‭ ‬في‭ ‬محافلها‭ ‬وندواتها‭ ‬وباقاتها‭ ‬المزعومة‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلون،‭ ‬ويستشهدون‭ ‬بالممنوع‭ ‬عليهم‭ ‬التشبيه‭ ‬به،‭ ‬ويمارسون‭ ‬طقوسًا‭ ‬أشبه‭ ‬بـ”الآميش”،‭ ‬وبأنفسهم‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬المؤمنون‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬“السفارة”‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬أمة‭ ‬إنسانية‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬“فرّق‭ ‬تسد”‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الشواذ‭ ‬عندما‭ ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬شديدة‭ ‬الإيمان‭ ‬بالخروج‭ ‬عن‭ ‬الإجماع‭ ‬أو‭ ‬الدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬غير‭ ‬المألوف،‭ ‬بل‭ ‬وغير‭ ‬المأسوف‭ ‬عليه‭ ‬بتاتًا‭.‬

التجديد‭ ‬الثقافي‭ .. ‬إضافة‭ ‬للتقويم

‭ ‬لعلّي‭ ‬فهمت‭ ‬الرسالة‭ ‬بالخطأ،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬متجنِّيًا‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬التجديد‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وتمضي‭ ‬باتجاه‭ ‬تحقيق‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬على‭ ‬التقويم،‭ ‬ولعلِّي‭ ‬لا‭ ‬أتجنّى‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬أن‭ ‬التقويم‭ ‬عندما‭ ‬أقرّه‭ ‬علماؤه‭ ‬المتقين،‭ ‬قد‭ ‬درسوا‭ ‬علوم‭ ‬الفلك‭ ‬بعناية،‭ ‬وأتقنوا‭ ‬فنون‭ ‬الأزمنة‭ ‬عندما‭ ‬تتعامد‭ ‬مع‭ ‬المكان‭ ‬المرتبط‭ ‬بإنسان،‭ ‬وبالخليقة‭ ‬كونها‭ ‬جزءًا‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بهذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬جمادًا‭ ‬ونباتًا‭ ‬وحيوانًا‭ ‬وسائر‭ ‬مخلوقات‭ ‬الأرض‭.‬

‭ ‬التقويم‭ ‬جاء‭ ‬ليصف‭ ‬لنا‭ ‬موقعنا‭ ‬الزمني‭ ‬من‭ ‬آلية‭ ‬شروق‭ ‬الشمس‭ ‬وغروبها،‭ ‬طلوع‭ ‬النهار،‭ ‬وحلول‭ ‬الليل،‭ ‬انبساط‭ ‬الأرض‭ ‬والتقائها‭ ‬بالسماء،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مضامين‭ ‬الرؤية‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد‭.‬

‭ ‬دائرة‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬في‭ ‬أقطارها‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬محيط‭ ‬مرتبط‭ ‬بمساحة‭ ‬وطول‭ ‬وعرض‭ ‬وارتفاع‭ ‬ونصف‭ ‬دائرة‭ ‬ربما،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬لا‭ ‬التجديد‭ ‬الثقافي‭ ‬يرتبط‭ ‬بمكانيكية‭ ‬تقويم‭ ‬جديدة،‭ ‬ولا‭ ‬الثراء‭ ‬الذهني‭ ‬وحده‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬فراغ‭ ‬محلق‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬الرؤى‭ ‬المختلفة‭.‬

‭ ‬الجميع‭ ‬متفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التسامح‭ ‬عندما‭ ‬تطلق‭ ‬عليه‭ ‬جماعة‭ ‬السفارة‭ ‬بباقة‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬إشعال‭ ‬الفتنة‭ ‬بطفاية‭ ‬حريق،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عين‭ ‬حاسدة‭ ‬تكرم‭ ‬ألف‭ ‬عين‭ ‬شريرة،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يؤلب‭ ‬النفوس‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬ولا‭ ‬يقرّب‭ ‬بينها،‭ ‬يقيم‭ ‬الحدود‭ ‬ولا‭ ‬يزيّنها،‭ ‬أما‭ ‬باقات‭ ‬“السفارة”‭ ‬تتعلق‭ ‬بالسلم‭ ‬والحرب،‭ ‬زعمًا‭ ‬كمحاولة‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والاستبسال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬زرع‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬واصفين‭ ‬إياها‭ ‬بأنها‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬استئناف‭ ‬الحياة‭.‬

‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬جميل‭ ‬ومتفق‭ ‬عليه‭ ‬سلفًا،‭ ‬ومتوافق‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬النهي،‭ ‬وأرباب‭ ‬العقول‭ ‬المتوازنة،‭ ‬لكنه‭ ‬حق‭ ‬أيضًا‭ ‬يراد‭ ‬به‭ ‬باطل،‭ ‬تميمة‭ ‬يتم‭ ‬تعليقها‭ ‬على‭ ‬جمجمة‭ ‬للمخاطر،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتغنّى‭ ‬فيه‭ ‬بإقامة‭ ‬الصلوات‭ ‬الخمس‭ ‬في‭ ‬مواعيدها،‭ ‬إن‭ ‬تأليف‭ ‬القلوب‭ ‬لا‭ ‬تأليبها‭ ‬هدفنا،‭ ‬تأليف‭ ‬القلوب‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬هو‭ ‬ميراثنا،‭ ‬وتراثنا،‭ ‬وديدننا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نحيد‭ ‬عنه،‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬تأليف‭ ‬قلوب‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬باطل،‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬يا‭ ‬إخواننا،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬هشٍّ‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬الخير؟‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أذكر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬إمام‭ ‬منتظر‭ ‬قد‭ ‬ظهر‭ ‬لفئة‭ ‬ولم‭ ‬يظهر‭ ‬لبقية‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولا‭ ‬انغلاق‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُؤتي‭ ‬أكُلها‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬عندما‭ ‬تجري‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬مجاريها‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬صالحة‭ ‬للشرب‭.‬

‭ ‬فاقد‭ ‬الشيء‭ ‬لا‭ ‬يعطيه‭ ‬مثلما‭ ‬أشرنا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬والمؤمن‭ ‬لا‭ ‬يُلدَغ‭ ‬من‭ ‬حجرٍ‭ ‬مرتين‭ ‬مثلما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الشائع،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬فرصة‭ ‬التتبع‭ ‬للباقات‭ ‬“المباركة”‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬تجديد‭ ‬غامضة‭ ‬لن‭ ‬يصل‭ ‬بأمّتنا‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الفرقة‭ ‬والتشرذم‭ ‬والانقسام،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬نقية‭ ‬السرائر‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬شوائب‭ ‬الشرك‭ ‬بالثواب،‭ ‬وإدخال‭ ‬الخزعبلات‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬العقيدة،‭ ‬وإرباك‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ادعاءات‭ ‬وأباطيل‭ ‬وأكاذيب‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الخطورة‭ ‬على‭ ‬سلام‭ ‬المجتمع‭ ‬وسلامته،‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬الحرب‭ ‬أولى‭ ‬أن‭ ‬تبدأوا‭ ‬بأنفسكم‭ ‬شعارًا‭ ‬ولافتةً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ميثاق‭ ‬أو‭ ‬دستور‭ ‬فاعل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

الكلمة‭ ‬التي‭ ‬يصبح‭ ‬أصلها‭ ‬ثابت‭ ‬وفرعها‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬ليست‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يبشّرون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لأفكار‭ ‬هدّامة‭ ‬واضعين‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬العسل‭ ‬ويقدمون‭ ‬إياها‭ ‬في‭ ‬وصية‭ ‬مغرية‭ ‬إلى‭ ‬الجاهلين‭ ‬بعلومنا‭ ‬وأساسيات‭ ‬ديننا،‭ ‬وأصيل‭ ‬مذهبنا‭.‬

الشورى‭ .. ‬نظرة‭ ‬جديدة

‭ ‬في‭ ‬إضافات‭ ‬جماعة‭ ‬“التجديد”‭ ‬أو‭ ‬السفارة‭ ‬إلى‭ ‬التقويم‭ ‬مفهوم‭ ‬جديد‭ ‬لـ”الشورى”‭ ‬في‭ ‬ثوبها‭ ‬الناصع‭ ‬الملفت‭ ‬البراق‭.‬

هل‭ ‬هي‭ ‬مجالس،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬اجتهادات؟‭ ‬فكرة‭ ‬أم‭ ‬مؤسسة؟‭ ‬معنى‭ ‬أم‭ ‬لفظ‭ ‬فضفاض؟

‭ ‬في‭ ‬باقة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬باقات‭ ‬“السفارة”‭ ‬توصيل‭ ‬مفعم‭ ‬بإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬شديدة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬يصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عنوانه‭ ‬العريض،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬لافتته‭ ‬المبهرجة‭ ‬المطرّزة‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الجمل‭ ‬غير‭ ‬المفيدة،‭ ‬لكنها‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬سيظل‭ ‬مختلًا‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬شاعر‭ ‬غير‭ ‬مجتهد،‭ ‬والأفق‭ ‬الذي‭ ‬سيبقى‭ ‬أسيرًا‭ ‬لسماء‭ ‬واحدة‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بسماوات‭ ‬حياتنا‭ ‬السبع‭.‬

‭ ‬نظرة‭ ‬جديدة‭ ‬لـ”الشورى”‭ ‬مثلما‭ ‬يقولون‭ ‬لقاح‭ ‬تكبّر‭ ‬الإنسان‭ ‬وغروره،‭ ‬اعتراف‭ ‬ضمني‭ ‬أو‭ ‬صريح‭ ‬بعنفوان‭ ‬الإنسان‭ ‬وفرض‭ ‬سطوته‭ ‬كفرد‭ ‬مطلق‭ ‬السراح‭ ‬في‭ ‬جب‭ ‬عميق‭.‬

‭ ‬الصلاح‭ ‬العام‭ ‬للناس‭ ‬وصناعة‭ ‬الانشراح‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬الصيرورة‭ ‬التفاوضية‭ ‬المطلقة‭ ‬بين‭ ‬مُطلِق‭ ‬الشعار‭ ‬ومتلقّيه‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬إنما‭ ‬الندوة‭ ‬أو‭ ‬الملتقى‭ ‬سوف‭ ‬تشهد‭ ‬لـ”الشورى”‭ ‬معانٍ‭ ‬دخيلة،‭ ‬أجور‭ ‬رمزية‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬مضنٍ‭ ‬لكنها‭ ‬حق‭ ‬أصيل‭ ‬لا‭ ‬يضيع‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬جلّ‭ ‬وعلا‭.‬

‭ ‬يقولون‭ ‬نحن‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬مسجلة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬السمت‭ ‬الإنساني‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ضغوط‭ ‬وتحديات‭ ‬الحياة،‭ ‬رفض‭ ‬الخضوع‭ ‬للاستفزاز‭ ‬والابتزاز،‭ ‬وهنا‭ ‬أقول‭ ‬لهم‭: ‬هل‭ ‬عقيدتكم‭ ‬أو‭ ‬مذهبكم‭ ‬أو‭ ‬طريقتكم،‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬الاستفزاز‭ ‬لأمة،‭ ‬والابتزاز‭ ‬لأبنائها‭ ‬القصر‭ ‬المتابعين؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬دسَّ‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬زبد‭ ‬مطهو‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬هادئة‭ ‬يختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬تقديمه‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كوجبة‭ ‬جاهزة‭ ‬سريعة‭ ‬بالطريق‭ ‬العام،‭ ‬وأن‭ ‬جودة‭ ‬المنتج‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬الفأس‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬سابقة‭ ‬قد‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أشبه‭ ‬الليلة‭ ‬بالبارحة،‭ ‬بالأمس‭ ‬وضعتم‭ ‬السم‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬العسل،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬الواقعة‭ ‬وانفضحت‭ ‬أموركم،‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تدعون‭ ‬إليه‭ ‬باطل‭ ‬وحرام،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تسعون‭ ‬إلى‭ ‬ترميمه‭ ‬من‭ ‬أطلال‭ ‬وتداعيات‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬باطل‭ ‬وحرام‭.‬

حرام‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬وقوفه‭ ‬فوق‭ ‬تلال‭ ‬من‭ ‬المغالطات،‭ ‬وباطل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ارتباطه‭ ‬بفكرة‭ ‬مرفوضة‭ ‬سلفًا‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬متحاب‭ ‬متآخ‭ ‬مؤمن‭ ‬بدينه‭ ‬وعقيدته‭ ‬السمحة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مزايدة‭ ‬عليها‭ ‬ولا‭ ‬إضافات‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬باقة‭ ‬الشورى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبدأوا‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬أنفسكم‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬السفارة،‭ ‬أن‭ ‬تعلنوا‭ ‬بين‭ ‬أعضائكم‭ ‬وبكل‭ ‬شفافية‭ ‬أنكم‭ ‬تدعون‭ ‬إلى‭ ‬أفكاركم‭ ‬بالحسنى‭ ‬وليس‭ ‬بالحبس‭ ‬الانفرادي‭ ‬للمنشقين‭ ‬عليكم،‭ ‬وأنكم‭ ‬لا‭ ‬تقيمون‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬طريقتكم‭ ‬الخاصة‭ ‬وكأنكم‭ ‬محكمة‭ ‬عدل‭ ‬عليا‭ ‬تأخذ‭ ‬تعليماتها‭ ‬زورًا‭ ‬وبهتانًا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬غير‭ ‬معلومة،‭ ‬لكنها‭ ‬معتمدة‭ ‬شيطانيًّا‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬ضلت‭ ‬ولا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬التوبة،‭ ‬ومن‭ ‬جماعة‭ ‬انحرفت‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬طريق‭ ‬الحق‭ ‬مازال‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬حبل‭ ‬الوريد‭.‬

‭ ‬أدعو‭ ‬لكم‭ ‬الهداية‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬السفارة،‭ ‬واستشهادًا‭ ‬بكلام‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ : ‬“أَلَا‭ ‬كُلُّكُمْ‭ ‬رَاعٍ،‭ ‬وَكُلُّكُمْ‭ ‬مَسْئُولٌ‭ ‬عَنْ‭ ‬رَعِيَّتِهِ،‭ ‬فَالْأَمِيرُ‭ ‬الَّذِي‭ ‬عَلَى‭ ‬النَّاسِ‭ ‬رَاعٍ،‭ ‬وَهُوَ‭ ‬مَسْئُولٌ‭ ‬عَنْ‭ ‬رَعِيَّتِهِ،‭ ‬وَالرَّجُلُ‭ ‬رَاعٍ‭ ‬عَلَى‭ ‬أَهْلِ‭ ‬بَيْتِهِ،‭ ‬وَهُوَ‭ ‬مَسْئُولٌ‭ ‬عَنْهُمْ،‭ ‬وَالْمَرْأَةُ‭ ‬رَاعِيَةٌ‭ ‬عَلَى‭ ‬بَيْتِ‭ ‬بَعْلِهَا‭ ‬وَوَلَدِهِ،‭ ‬وَهِيَ‭ ‬مَسْئُولَةٌ‭ ‬عَنْهُمْ،‭ ‬وَالْعَبْدُ‭ ‬رَاعٍ‭ ‬عَلَى‭ ‬مَالِ‭ ‬سَيِّدِهِ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬مَسْئُولٌ‭ ‬عَنْهُ،‭ ‬أَلَا‭ ‬فَكُلُّكُمْ‭ ‬رَاعٍ،‭ ‬وَكُلُّكُمْ‭ ‬مَسْئُولٌ‭ ‬عَنْ‭ ‬رَعِيَّتِهِ”،‭ ‬وأرسل‭ ‬لكم‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬حيث‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تكثر‭ ‬فيه‭ ‬الفتن،‭ ‬وأشد‭ ‬تلك‭ ‬الفتن‭ ‬ما‭ ‬يستهدف‭ ‬الدين‭ ‬والعقيدة‭ ‬والقيم،‭ ‬وفي‭ ‬الآنة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬جمعية‭ ‬التجديد‭ ‬الثقافية‭ ‬تستهدف‭ ‬النساء‭ ‬والشباب‭ ‬بالجميل‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬والراقي‭ ‬من‭ ‬الأساليب،‭ ‬لتنشر‭ ‬سمومها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العبارات‭ ‬الراقية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬“الرسول‭ ‬كان‭ ‬إنسانًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نبيًّا”‭ ‬فظاهر‭ ‬العبارة‭ ‬جميل‭ ‬وباطنه‭ ‬يضرب‭ ‬العقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالأصول‭ ‬العقلية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬الرسالة‭ ‬الإلهية،‭ ‬وانتبهوا‭ ‬لمن‭ ‬حولكم‭ ‬وخصوصًا‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭.‬

وأدعو‭ ‬الذين‭ ‬ينغمسون‭ ‬في‭ ‬أكذوبة‭ ‬استئناف‭ ‬الحياة‭ ‬أن‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬رشدهم‭ ‬وأن‭ ‬يتوقفوا‭ ‬فورًا‭ ‬عن‭ ‬استنساخ‭ ‬أفكار‭ ‬عفى‭ ‬عليها‭ ‬الزمن‭ ‬ورفضها‭ ‬الواقع‭ ‬ولم‭ ‬ترحّب‭ ‬بها‭ ‬المواثيق‭ ‬ولا‭ ‬الأعراف‭ ‬ولا‭ ‬الأديان‭.‬