وَخْـزَةُ حُب

صف لي إحساس الألم!

| د. زهرة حرم

ما‭ ‬إنْ‭ ‬تُسأل‭ ‬عن‭ ‬إحساسك‭ ‬بالألم؛‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬تربطه‭ ‬ربْطًا‭ ‬وثيقا‭ ‬بجسدك،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟‭ ‬سؤال‭ ‬ليس‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬إرجاعك‭ ‬إلى‭ ‬ذكرى‭ ‬وجع‭ ‬أو‭ ‬نغيصة؛‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نصيحة‭ ‬محب؛‭ ‬ألّا‭ ‬تنغمس‭ ‬في‭ ‬المؤلم‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مرّة‭ ‬أو‭ ‬صعبة‭! ‬وأيًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬أسبابها‭! ‬وسواء‭ ‬أكانت‭ ‬لك‭ ‬يد‭ ‬فيها،‭ ‬أم‭ ‬كانت‭ ‬خاضعة‭ ‬لمجريات‭ ‬القدر‭! ‬أبدًا‭! ‬إيّاك‭ ‬وجلد‭ ‬ذاتك‭ ‬بإعادة‭ ‬سيناريو‭ ‬الألم‭ ‬أو‭ ‬التذكير‭ ‬بأحداثه،‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬سيناريو‭ ‬مشابه‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬جديد؛‭ ‬فدون‭ ‬ذلك‭ ‬جسد‭ ‬واهن؛‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬حوافِّ‭ ‬العمر‭ ‬الأخيرة‭!‬

صِف‭ ‬لي‭ ‬إحاسسك‭ ‬بالألم‭! ‬وأعلمُ‭ ‬أن‭ ‬أوله‭ ‬قلب‭ ‬ثقيل‭ ‬كصخرة،‭ ‬يزداد‭ ‬حجمها،‭ ‬حتى‭ ‬تكاد‭ ‬تنفجر؛‭ ‬لتشق‭ ‬أضلاعك،‭ ‬ولكنها‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬–‭ ‬قابعةٌ،‭ ‬مُرتكزةٌ‭ ‬بأوتادٍ‭ ‬غليظةٍ،‭ ‬مُمزّقة،‭ ‬ومتقرِّحة؛‭ ‬كنتَ‭ ‬لتتمنى‭ ‬أن‭ ‬تتخلص‭ ‬منها،‭ ‬ولكن،‭ ‬هيْتَ‭ ‬لك‭! ‬وهل‭ ‬جرّبت‭ ‬الكلام‭ ‬الممزوج‭ ‬بالألم؟‭! ‬أظنه‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خيوط‭ ‬مخنوقة‭ ‬في‭ ‬الحنجرة،‭ ‬وكأن‭ ‬أجزاءً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخيوط‭ ‬الباهتة؛‭ ‬احترقت،‭ ‬وأنت‭ ‬تحاول‭ ‬–‭ ‬جهدك‭ - ‬جمع‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬منها؛‭ ‬لتبوح‭ ‬بشيء‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬لتقول‭ ‬كلمات‭ ‬مرجوجة،‭ ‬مبحوحة،‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تَبين‭!‬

وهل‭ ‬تلّبستْك‭ ‬حرارةٌ‭ ‬في‭ ‬أطرافك؛‭ ‬فارتعشتَ‭ ‬حينًا،‭ ‬وجَمُدت‭ ‬حينا‭ ‬آخر؛‭ ‬حتى‭ ‬تشوشتْ‭ ‬حواسك،‭ ‬وما‭ ‬عُدت‭ ‬تدري‭ ‬ما‭ ‬الوسيلة،‭ ‬وكيف‭ ‬السبيل‭ ‬لتخفيف‭ ‬أو‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬الحالة؟‭! ‬فانتظرتَ‭ ‬فترات‭ ‬طويلة؛‭ ‬لتستقر‭ ‬أو‭ ‬تهدأ،‭ ‬ولكن‭ ‬عقلك‭ ‬لا‭ ‬يهديك‭ ‬طريقًا‭ ‬أو‭ ‬يمنحك‭ ‬السكينة؛‭ ‬فهو‭ ‬–‭ ‬كذلك‭ ‬–‭ ‬مشغول‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬عصب‭ ‬فيه؛‭ ‬يُقلب‭ ‬الأفكار‭ ‬والصور،‭ ‬يعيدها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬بأشكال‭ ‬شتى،‭ ‬علّه‭ ‬يفك‭ ‬شفراتها،‭ ‬أو‭ ‬يفتح‭ ‬مغاليقها؛‭ ‬لتنكشف‭ ‬غُمّته،‭ ‬ولكنه؛‭ ‬يبدو‭ ‬كجهاز‭ ‬راديو‭ ‬خَرِب،‭ ‬تتضارب‭ ‬فيه‭ ‬الأصوات،‭ ‬وتشتبك‭ ‬فيه‭ ‬الموجات،‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يُسعف‭ ‬بقية‭ ‬حواس‭ ‬الجسد؛‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬مشورة‭!‬

وماذا‭ ‬عن‭ ‬المغص‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬مصدره،‭ ‬أو‭ ‬تكشف‭ ‬موقعه،‭ ‬والذي‭ ‬انضم‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬سلسة‭ ‬التظاهرات‭ ‬ضدك؛‭ ‬ليباغتك‭ ‬بين‭ ‬فينة‭ ‬وأخرى‭ ‬بضربات‭ ‬قاسية؛‭ ‬كرصاصات‭ ‬تخترقك؛‭ ‬فتمزق‭ ‬أوصالك،‭ ‬وتدق‭ ‬شرايينك‭! ‬هل‭ ‬جربت‭ ‬ألمًا،‭ ‬يتصاعد‭ ‬من‭ ‬أخمص‭ ‬قدميك‭ ‬حتى‭ ‬قمة‭ ‬رأسك؛‭ ‬ليملأ‭ ‬وجهك‭ ‬دمًا‭ ‬أصفرَ‭ ‬باهتًا‭ ‬كالخريف؟‭! ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬كذلك‭ ‬قد‭ ‬جرّبتَ‭ ‬رعشته‭ ‬الشبيهة‭ ‬باختناق‭ ‬الموت؛‭ ‬فحذارِ‭ ‬أن‭ ‬يجرّك‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬ساحته‭ ‬الموغلة‭ ‬في‭ ‬العذاب،‭ ‬وإياك‭ ‬أن‭ ‬تظن‭ ‬أنه‭ ‬عابر،‭ ‬يداويه‭ ‬الزمان‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭!‬

هذا‭ ‬الألم‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬باغت‭ ‬روحك،‭ ‬سيفتك‭ ‬بك؛‭ ‬كقاتل‭ ‬محترف،‭ ‬يتلذذ‭ ‬بالضعف‭ ‬الذي‭ ‬يتناهش‭ ‬جسدك،‭ ‬أو‭ ‬يتسرب‭ ‬إليك؛‭ ‬لتكون‭ ‬بعدها‭ ‬خبرًا‭ ‬بعد‭ ‬عين‭!‬‭ ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬أمامك‭ ‬سوى‭ ‬حربٍ‭ ‬ضرُوس‭ ‬ومقاومة‭! ‬فلا‭ ‬هُدنة‭ ‬تصلح‭ ‬هنا،‭ ‬ولا‭ ‬اتفاق‭ ‬سلام‭!‬