ريشة في الهواء

رؤية ضد تيار كراهية الثقافات!

| أحمد جمعة

الثقافة‭ ‬نبضٌ،‭ ‬وعيٌ،‭ ‬جسر‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬تلملم‭ ‬الجراح‭ ‬وتضيق‭ ‬الخلاف‭ ‬وتتسلل‭ ‬بين‭ ‬ثقوب‭ ‬الكراهية‭ ‬لتمحو‭ ‬بقدر‭ ‬المستطاع‭ ‬تلك‭ ‬النتوءات‭ ‬التي‭ ‬خلفتها‭ ‬موروثات‭ ‬قديمة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬تغذيها‭ ‬الأديان،‭ ‬أستغرب‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القرون‭ ‬المديدة‭ ‬من‭ ‬الكراهية،‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الأنظمة‭ ‬الثيوقراطية‭ ‬والدكتاتورية‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬كالنازية‭ ‬والفاشية،‭ ‬تنامي‭ ‬مشاعر‭ ‬طارئة‭ ‬تحقنها‭ ‬سياسات‭ ‬منزوعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بمنهجية‭ ‬آيديولوجية،‭ ‬ومنتهية‭ ‬الصلاحية،‭ ‬بهدف‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬صراعات‭ ‬الجماعات،‭ ‬طوائف‭ ‬وقوميات‭ ‬وشرائح،‭ ‬مستمرة‭ ‬لمصلحة‭ ‬ضيقة‭ ‬تتمثل‭ ‬بمحاولة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الشعوب‭ ‬وحملها‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬كراهية‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬بأشكال‭ ‬صارخة‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬يمينية‭ ‬متزمتة‭ ‬وبين‭ ‬قوى‭ ‬تنويرية‭ ‬تحاول‭ ‬نشر‭ ‬ثقافات‭ ‬التفاهم‭ ‬والسلام،‭ ‬وتبرز‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬صارخة‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬واليهود،‭ ‬تغذيها‭ ‬قيادات‭ ‬ثيوقراطية،‭ ‬وتكتوي‭ ‬بها‭ ‬أطراف‭ ‬إنسانية‭ ‬وتنويرية‭ ‬تحاول‭ ‬تضييق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬ثقافات‭ ‬الشعوب،‭ ‬ولو‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك‭ ‬لزال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاحتقان‭ ‬وذابت‭ ‬الكراهية‭ ‬وأمكن‭ ‬رؤية‭ ‬ثقب‭ ‬لبصيصٍ‭ ‬من‭ ‬ضوء‭ ‬يقود‭ ‬لنزع‭ ‬الكراهية‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬عمها‭ ‬الصراع‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬بسبب‭ ‬مشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬وأخطاء‭ ‬ارتكبها‭ ‬عمداً‭ ‬مروجو‭ ‬السلفيات‭ ‬الدينية‭ ‬بمختلف‭ ‬أطيافها‭ ‬لبث‭ ‬الكراهية،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬القطيع‭!‬

من‭ ‬نافذة‭ ‬المواجهة‭ ‬الصريحة‭ ‬ومن‭ ‬رؤية‭ ‬موضوعية‭ ‬تنأى‭ ‬عن‭ ‬المجاملة‭ ‬والسير‭ ‬في‭ ‬قافلة‭ ‬مروجي‭ ‬الكراهية‭ ‬العمياء‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬قراءة‭ ‬عقلانية‭ ‬للمشهد‭ ‬الثقافي،‭ ‬كفيلة‭ ‬بفتح‭ ‬ثقب‭ ‬بجدار‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الآخر،‭ ‬وهو‭ ‬خوف‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬ولا‭ ‬يستند‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬فمنذ‭ ‬سنوات‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬والدموي،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بداخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المسلم‭ ‬والمسيحي‭ ‬واليهودي‭ ‬نزوع‭ ‬بل‭ ‬استقطاب‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وبلغ‭ ‬القبول‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬تجسد‭ ‬بوضوح‭ ‬صارخ،‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬رئيسية‭ ‬وميادين‭ ‬عامة‭ ‬هناك‭ ‬احتفاء‭ ‬بأسماء‭ ‬مثل‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬ونجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬وأسمهان،‭ ‬كما‭ ‬تُعْرض‭ ‬الأفلام‭ ‬العربية‭ ‬وتذاع‭ ‬الأغاني‭ ‬العربية‭ ‬وتترجم‭ ‬الروايات‭ ‬والأشعار‭ ‬العربية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نلمس‭ ‬ذلك‭ ‬الخوف‭ ‬والهلع‭ ‬من‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬الآخر،‭ ‬بعكس‭ ‬بعضنا،‭ ‬الذي‭ ‬بمجرد‭ ‬ذكر‭ ‬عبارة‭ ‬لكاتب‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬يطير‭ ‬الشرر،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والفنانين‭ ‬تعاطفوا‭ ‬مع‭ ‬الحقوق‭ ‬العربية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العرب‭. ‬

هل‭ ‬تلاشت‭ ‬ثقتنا‭ ‬بأنفسنا‭ ‬وحضارتنا‭ ‬وتاريخنا‭ ‬وموروثنا؟‭ ‬ألا‭ ‬توجد‭ ‬قاعدة‭ ‬صلبة‭ ‬تحفظ‭ ‬هذا‭ ‬التراث؟‭ ‬هل‭ ‬حضارتنا‭ ‬كلها‭ ‬ريشة‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬مثل‭ ‬كذبة‭ ‬لم‭ ‬تقوَ‭ ‬على‭ ‬صد‭ ‬نسمة‭ ‬هواء؟‭ ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬وجود‭ ‬تيارات‭ ‬متطرفة‭ ‬وبداخلها‭ ‬كراهية‭ ‬للعربي‭ ‬تفوق‭ ‬المتصور،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يقابله‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تيار‭ ‬عربي‭ ‬مماثل‭ ‬يلتقيان‭ ‬بالنهاية‭ ‬عند‭ ‬منعطف‭ ‬تتوحد‭ ‬فيه‭ ‬مصلحتهما‭ ‬ببقاء‭ ‬واستمرار‭ ‬وتعميق‭ ‬الكراهية،‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬أن‭ ‬الكراهية‭ ‬متبادلة‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

خروجك‭ ‬من‭ ‬السرب‭ ‬ضرورة‭ ‬إذا‭ ‬فقد‭ ‬السرب‭ ‬وجهته‭.‬