إلى قادة وساسة الجارة إيران.. مع التحية

| عبدالنبي الشعلة

لماذا‭ ‬تستمر‭ ‬جارتنا‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬إصرارها‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬رغم‭ ‬اعتراض‭ ‬جيرانها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومعارضة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وما‭ ‬يسببه‭ ‬لها‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬وأخطار‭ ‬وأضرار؟

في‭ ‬كتابه‭ ‬“تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والملوك”‭ (‬ج‭ ‬3،‭ ‬ص‭ ‬349‭) ‬يقول‭ ‬الطبري‭ ‬إنه‭ ‬لما‭ ‬أمر‭ ‬الخليفة‭ ‬أبوبكر‭ ‬الصديق‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬القائد‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬الوليد‭ ‬بالتوجه‭ ‬بجيوشه‭ ‬لفتح‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬12هـ،‭ ‬كانت‭ ‬العراق‭ ‬وقتها‭ ‬خاضعة‭ ‬لحكم‭ ‬الدولة‭ ‬الساسانية‭ ‬الفارسية‭ ‬وتقع‭ ‬ضمن‭ ‬حدودها‭.‬

ولما‭ ‬عبر‭ ‬خالد‭ ‬الحدود‭ ‬العراقية‭ ‬وعسكر‭ ‬بجيوشه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬كاظمة،‭ ‬توجهت‭ ‬نحوه‭ ‬الجيوش‭ ‬الفارسية‭ ‬مدججة‭ ‬بالأسلحة‭ ‬بقيادة‭ (‬هرمز‭) ‬الحاكم‭ ‬الفارسي‭ ‬للعراق‭ ‬آنذاك،‭ ‬فقام‭ ‬خالد‭ ‬بمناورة‭ ‬وأخلى‭ ‬موقعه‭ ‬وانسحب‭ ‬منه‭ ‬بسرعة‭ ‬وتوجه‭ ‬نحو‭ ‬منطقة‭ ‬حفيرة،‭ ‬ليجد‭ ‬هرمز‭ ‬كاظمة‭ ‬عندما‭ ‬وصلها‭ ‬خاوية‭ ‬وخالية‭ ‬من‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فتوجه‭ ‬بجيوشه‭ ‬نحو‭ ‬حفيرة‭ ‬لملاحقة‭ ‬ومواجهة‭ ‬خالد‭ ‬وجيوشه،‭ ‬ولما‭ ‬وصلها‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬خالد‭ ‬قد‭ ‬غادرها‭ ‬وعاد‭ ‬بجيوشه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬كاظمة،‭ ‬فتبعه‭ ‬هرمز‭. ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬خالد‭ ‬بهذه‭ ‬المناورة‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬التكتيك‭ ‬العسكري‭ ‬عندما‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬جيوش‭ ‬هرمز‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العدة‭ ‬والعتاد‭ ‬والأسلحة،‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬التنقل‭ ‬والتحرك‭ ‬بها‭ ‬بسهولة،‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يرهقها‭ ‬وينهك‭ ‬قواها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يواجهها‭ ‬وينازلها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بالفعل،‭ ‬ونجحت‭ ‬الخطة‭ ‬وانهزم‭ ‬هرمز‭ ‬وجيوشه،‭ ‬رغم‭ ‬عددها‭ ‬الأكبر‭ ‬وعدتها‭ ‬الأوفر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعركة،‭ ‬التي‭ ‬عُرفت‭ ‬بـ‭ ‬”معركة‭ ‬ذات‭ ‬السلاسل”،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬البداية‭ ‬لانهيار‭ ‬الدولة‭ ‬الساسانية‭ ‬وسيطرة‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬أراضيها‭.‬

ما‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نتوصل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬سرد‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬ظل‭ ‬يعلمنا‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬السلاح‭ ‬وكثرته‭ ‬وتطوره‭ ‬لا‭ ‬تضمن‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭ ‬يسبب‭ ‬الهزيمة‭ ‬والانهيار،‭ ‬وهو‭ ‬درس‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬ألا‭ ‬ننساه،‭ ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ساسة‭ ‬إيران‭ ‬الحاليون‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تعلمه‭.‬

إيران،‭ ‬كدولة‭ ‬وكشعب،‭ ‬جارة‭ ‬لنا‭ ‬يجمعنا‭ ‬معها‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬شئنا‭ ‬أم‭ ‬أبينا،‭ ‬يهمنا‭ ‬ويسعدنا‭ ‬استقرارها‭ ‬ونموها‭ ‬وتطورها،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬قادتها‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مواقفهم‭ ‬ومراجعة‭ ‬حساباتهم،‭ ‬وأن‭ ‬يسارعوا‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬هذا‭ ‬النزيف‭ ‬المتزايد‭ ‬والمتواصل‭ ‬لطاقات‭ ‬بلادهم‭ ‬وإمكاناتها‭ ‬ومواردها‭ ‬وثرواتها،‭ ‬التي‭ ‬تُبدد‭ ‬وتُهدر‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التسلح‭ ‬ومشروعات‭ ‬التوسع‭ ‬وسياسات‭ ‬التعنت‭ ‬والمواجهة‭.‬

إن‭ ‬التاريخ‭ ‬علمنا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬انهيار‭ ‬الأنظمة‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الدخل،‭ ‬وأن‭ ‬التهديد‭ ‬الداخلي‭ ‬أخطر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬الخارجي،‭ ‬وأن‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية‭ ‬توحد‭ ‬الشعوب‭ ‬عادة،‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬التهديدات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تفككها‭ ‬وتمزقها؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬على‭ ‬ساسة‭ ‬وقادة‭ ‬إيران‭ ‬الجارة‭ ‬ألا‭ ‬يتجاهلوا‭ ‬المؤشرات‭ ‬والرسائل‭ ‬التي‭ ‬أخذ‭ ‬شعبها‭ ‬يرسلها‭ ‬إليهم،‭ ‬فالشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬شعب‭ ‬عريق‭ ‬واع،‭ ‬يدرك‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬تدهورت‭ ‬أوضاعه‭ ‬المعيشية،‭ ‬وكيف‭ ‬تدنى‭ ‬وتراجع‭ ‬اقتصاد‭ ‬بلاده،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬مستوى‭ ‬تهاوت‭ ‬وانحدرت‭ ‬إليه‭ ‬قيمة‭ ‬عملته‭ ‬وحجم‭ ‬تصديره،‭ ‬ويعرف‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬انخفض،‭ ‬وأصبح‭ ‬يعادل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬إنه‭ ‬يريد‭ ‬تدميرها،‭ ‬وأقل‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الست‭ ‬مجتمعة‭.‬

ويطلع‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬الأرقام‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اقتصاد‭ ‬بلاده‭ ‬انخفض‭ ‬من‭ ‬المركز‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬إلى‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬الماضية،‭ ‬وأنه‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬ذاتها‭ ‬أصبح‭ ‬المواطن‭ ‬الإيراني‭ ‬العادي‭ ‬أكثر‭ ‬فقرا‭ ‬بنسبة‭ ‬32‭ %‬،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تتردد‭ ‬على‭ ‬مسامعه‭ ‬أصداء‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬عضو‭ ‬لجنة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬شورى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬السيد‭ ‬شهاب‭ ‬نادري‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬مارس‭ ‬2018،‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬80‭ % ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الإيراني‭ ‬يرزحون‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر‭.‬

والمواطن‭ ‬الإيراني‭ ‬يجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تأشيرة‭ ‬دخول‭ ‬لمعظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬عطلته‭ ‬السنوية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬أو‭ ‬سوريا‭ ‬أو‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭ ‬ببطن‭ ‬خاوٍ‭ ‬وجيب‭ ‬فاضٍ،‭ ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬البحرينيين،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يحرصون‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬العتبات‭ ‬المقدسة‭ ‬بالعراق،‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬بالألم‭ ‬عندما‭ ‬يرى‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يجلبون‭ ‬معهم‭ ‬بضائع‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬لبيعها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لتغطية‭ ‬نفقات‭ ‬زيارتهم؛‭ ‬مثل‭ ‬المكسرات‭ ‬والمخللات‭ ‬والفواكه‭ ‬المجففة‭ ‬وماء‭ ‬الورد‭ ‬والزعفران‭ ‬والسجاد‭ ‬وما‭ ‬شابه‭. ‬إن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭.‬

إن‭ ‬على‭ ‬ساسة‭ ‬وقادة‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬إنها‭ ‬بالطبع‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬القنابل‭ ‬النووية‭ ‬لا‭ ‬تجلب‭ ‬القوة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭. ‬

إن‭ ‬سر‭ ‬قوة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ليس‭ ‬بالقنابل‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬تملكها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬قوتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وقاعدتها‭ ‬العلمية‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬شئنا‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬نشأ،‭ ‬وماذا‭ ‬أضاف‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬إلى‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬امتلكته‭ ‬قبل‭ ‬14‭ ‬سنة؟‭ ‬أليست‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬سلاحًا‭ ‬نوويًا‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية؟‭ ‬ولنستشهد‭ ‬بمثال‭ ‬آخر‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬وثباتًا،‭ ‬ولا‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ ‬الشك‭ ‬أو‭ ‬الخلاف؛‭ ‬فقد‭ ‬انهار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬بعظمته‭ ‬واتساع‭ ‬رقعته،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬أو‭ ‬قمة‭ ‬قوته‭ ‬العسكرية،‭ ‬وكانت‭ ‬ترساناته‭ ‬متخمة‭ ‬ومتكدسة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬4600‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية،‭ ‬وهو‭ ‬ضعف‭ ‬المخزون‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬النووية‭ ‬آنذاك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يبلغ‭ ‬2462‭ ‬قنبلة،‭ ‬وقتها‭ ‬كان‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬الأميركي‭ ‬48‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬بالكاد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬دولار،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬الأميركي‭ ‬يعادل‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬سبب‭ ‬لتراجع‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬أمام‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقة‭ ‬للمعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فالمواجهة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متكافئة‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬القادة‭ ‬والساسة‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬تكديس‭ ‬القنابل‭ ‬والمدافع‭ ‬والصواريخ‭ ‬والطائرات‭ ‬والبوارج‭ ‬الحربية‭ ‬والغواصات‭ ‬ستمكنهم‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬فهم‭ ‬مخطئون؛‭ ‬لأن‭ ‬بلادهم‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬عنصر‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬القوة،‭ ‬وهي‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الطاقة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لقد‭ ‬استمر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬والتردي،‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬وتورطت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬استنزاف،‭ ‬أو‭ ‬إن‭ ‬شئت،‭ ‬فقل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استنزاف‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وفي‭ ‬تمويل‭ ‬برامج‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬إن‭ ‬الوضع‭ ‬أصبح‭ ‬يذكرنا‭ ‬بحال‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬بعد‭ ‬تدخله‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وما‭ ‬أشبه‭ ‬الليلة‭ ‬بالبارحة،‭ ‬والدرس‭ ‬لم‭ ‬يتغير،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬يؤدي‭ ‬حتمًا‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬وانهيار‭ ‬الدولة‭ ‬وانهيار‭ ‬أحلام‭ ‬النهار‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬ساسة‭ ‬وقادة‭ ‬إيران‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬المنطقة؛‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬النهار‭ ‬أو‭ ‬أضغاث‭ ‬أحلام‭ ‬الليل،‭ ‬وإذا‭ ‬كانوا‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬إقليمي؛‭ ‬فإن‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تحمل‭ ‬تكاليف‭ ‬والتزامات‭ ‬وأعباء‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نتمنى‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬ينتقلوا‭ ‬بإيران‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الثورة‭ ‬والاضطراب‭ ‬والتصادم‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الدولة‭ ‬الطبيعية‭ ‬المستقرة؛‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقانون‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بانسجام‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬وبسلام‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬ومع‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬

إن‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬لا‭ ‬يأتيان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصدير‭ ‬الثورات‭ ‬والشعارات،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصدير‭ ‬البضائع‭ ‬والمنتجات‭ ‬والمخترعات‭ ‬والأفكار‭ ‬والكفاءات،‭ ‬وأوضح‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أصابته‭ ‬نشوة‭ ‬السيطرة‭ ‬والانتصار،‭ ‬فقرر‭ ‬تمديد‭ ‬نفوذه‭ ‬وسطوته‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصدير‭ ‬ثقافة‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬وإقامة‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الشكلية‭ ‬وإلغاء‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشرعية‭ ‬الملكية؛‭ ‬فكانت‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬والمصيبة‭ ‬الكبرى‭ ‬هزيمة‭ ‬1967‭ ‬النكراء‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬أحلامه‭ ‬وحطمت‭ ‬طموحات‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭.‬

وعلى‭ ‬قادة‭ ‬وساسة‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬يدركوا،‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬أساليبها‭ ‬وميادينها‭ ‬وأسلحتها؛‭ ‬فالأسلحة‭ ‬البحرية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬البوارج‭ ‬والغواصات‭ ‬وحاملات‭ ‬الطائرات‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬بعدد‭ ‬البواخر‭ ‬التجارية‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬حاويات،‭ ‬وليست‭ ‬القوة‭ ‬بعدد‭ ‬الجنود‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بأرقام‭ ‬المبيعات‭ ‬أيضًا،‭ ‬والقوة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬ودرجة‭ ‬تعلمها،‭ ‬وفي‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬وحدود‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتكمن‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحوث‭ ‬وفي‭ ‬التنافس‭ ‬والاستثمار،‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬أصبحت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة،‭ ‬عندما‭ ‬أصبحت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬فوهات‭ ‬المدافع،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬المعارك‭ ‬الحقيقية‭ ‬تدور‭ ‬بين‭ ‬الجيوش‭ ‬الجرارة،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات؛‭ ‬وليستمع‭ ‬وينصت‭ ‬قادة‭ ‬وساسة‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬وطيس‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وبين‭ ‬شركة‭ ‬“هواوي”‭ ‬الصينية‭ ‬العملاقة‭. ‬والله‭ ‬الموفق‭.‬