زبدة القول

الموظفون الحكوميون و “الفيسبوك”

| د. بثينة خليفة قاسم

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬حكمت‭ ‬محكمة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بفصل‭ ‬محام‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬بسبب‭ ‬قيامه‭ ‬بنشر‭ ‬معلومات‭ ‬تخص‭ ‬العمل‭ ‬وتسيء‭ ‬إلى‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬القانونية‭ ‬التابعة‭ ‬للبنك،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموظف‭ ‬أضر‭ ‬بالمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬وأساء‭ ‬إلى‭ ‬سمعة‭ ‬زملائه‭ ‬وأفشى‭ ‬معلومات‭ ‬تسنى‭ ‬له‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬بحكم‭ ‬عمله‭ ‬داخل‭ ‬البنك‭.‬

وقالت‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬حكمها‭ ‬إن‭ ‬استخدام‭ ‬الفيسبوك‭ ‬ليس‭ ‬ممنوعا‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬العام،‭ ‬لكنها‭ ‬قيدت‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬بعدم‭ ‬الإضرار‭ ‬بالأمن‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع،‭ ‬وعدم‭ ‬نشر‭ ‬أسرار‭ ‬تخص‭ ‬الوظيفة‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬سيكون‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬بمثابة‭ ‬إنذار‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬لجميع‭ ‬الموظفين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الفيسبوك‭ ‬محملا‭ ‬بكل‭ ‬أسرار‭ ‬الناس‭ ‬وأسرار‭ ‬الوظائف‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬وبشكل‭ ‬يجعل‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العالمية‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬عناء‭ ‬أو‭ ‬تكلفة‭.‬

هذا‭ ‬الحكم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬درسا‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تضبط‭ ‬فوضى‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتنهي‭ ‬حالة‭ ‬الإحساس‭ ‬بعدم‭ ‬المسؤولية‭ ‬وأن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬خارج‭ ‬سيطرة‭ ‬الحكومات‭ ‬وخارج‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬السب‭ ‬والقذف‭ ‬وتمنع‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬أعراض‭ ‬الناس‭ ‬وتدمير‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬السب‭ ‬والقذف‭ ‬والإضرار‭ ‬بالأمن‭ ‬القومي‭ ‬للدول‭ ‬يتم‭ ‬تجريمه‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬التقليدية‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬قل‭ ‬انتشارها‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬فمن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬تجريم‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭.‬

إذا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬قانون‭ ‬يحفظ‭ ‬المصلحتين‭ ‬معا،‭ ‬مصلحة‭ ‬الفرد‭ ‬ومصلحة‭ ‬الدول‭ ‬وأمنها‭ ‬القومي،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬الموظف‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مجريات‭ ‬وأسرار‭ ‬وظيفته‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إضعافا‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وجعلها‭ ‬مدعاة‭ ‬للسخرية‭ ‬وعدم‭ ‬الاحترام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجماهير‭ ‬وجعلها‭ ‬سهلة‭ ‬الاختراق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجماعات‭ ‬التخريبية‭ ‬والجهات‭ ‬الأجنبية‭.‬