أعراس قارونية!

| صالح بن سالم الشهري

بداية‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يبارك‭ ‬لكل‭ ‬العرسان‭ ‬الجدد‭ ‬ويوفقهم‭ ‬في‭ ‬زواجهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬الجديدة‭ ‬وأن‭ ‬يرزقنا‭ ‬وإياهم‭ ‬الذرية‭ ‬الصالحة‭ ‬والرزق‭ ‬الطيب‭ ‬الحلال‭ ‬ويهدينا‭ ‬لشكر‭ ‬نعمائه‭ ‬وفضله‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أنني‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬معظم‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬لن‭ ‬أبخل‭ ‬بإنفاق‭ ‬الغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬سخره‭ ‬الله‭ ‬لي‭ ‬وفي‭ ‬حدود‭ ‬المعقول‭ ‬عرفاً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬على‭ ‬زواج‭ ‬ابني‭ ‬أو‭ ‬ابنتي‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬فرحتنا‭ ‬أنا‭ ‬وزوجتي‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الله‭ ‬دوماً‭ ‬أن‭ ‬يبلغهم‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬ليشهدوه‭ ‬ويحتفلوا‭ ‬به‭.‬

ولكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الاحتفال‭ ‬ببعض‭ ‬مناسبات‭ ‬الزفاف‭ ‬الأسطورية‭ ‬فاقت‭ ‬كل‭ ‬منطق‭ ‬سليم‭ ‬وتجاوزت‭ ‬حدود‭ ‬الاحتفال‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬كل‭ ‬عاقلٍ‭ ‬حصيف‭ ‬لتكون‭ ‬بذلك‭ ‬أقرب‭ ‬للاستعراض‭ ‬والخروج‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬بزينة‭ ‬غرضها‭ ‬الرئيسي‭ ‬الكِبر‭ ‬والخيلاء‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬ذكره‭ ‬لقصة‭ ‬قارون‭.‬

المؤسف‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالات‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يشتكي‭ ‬فيه‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬ذات‭ ‬اليد‭ ‬وشح‭ ‬الموارد‭ ‬المالية،‭ ‬وهذا‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬له‭ ‬عظيم‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬مظاهر‭ ‬البذخ‭ ‬المفرطة‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬سواءً‭ ‬في‭ ‬تكلفة‭ ‬تجهيزات‭ ‬القاعات‭ ‬أو‭ ‬موائد‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬وأجور‭ ‬الفنانين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لأمور‭ ‬وتفاصيل‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬كبطاقات‭ ‬الدعوة‭ ‬باهظة‭ ‬التكلفة‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬يتنافس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعراس‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬لتحطيم‭ ‬الأرقام‭ ‬القياسية‭ ‬في‭ ‬البذخ‭ ‬والإسراف‭. ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬كلامي‭ ‬هذا‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬مصادرة‭ ‬حق‭ ‬العروسين‭ ‬أو‭ ‬ذويهما‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬حفلات‭ ‬الزفاف‭ ‬الجميلة‭ ‬والراقية‭ ‬بالطبع،‭ ‬لكننا‭ ‬كلنا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬الحدود‭ ‬الدنيا‭ ‬والعليا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معقول‭ ‬ومقبول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬حفلات‭ ‬الزفاف‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬أعرافنا‭ ‬وإمكانياتنا‭ ‬كمجتمعات‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليها‭ ‬بنعمٍ‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬ولا‭ ‬تُحصى‭ ‬وينبغي‭ ‬لنا‭ ‬شكره‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬عليها‭ ‬وعدم‭ ‬التبذير‭ ‬بها‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تطالنا‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬زوالها‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬لأممٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬قبلنا‭.‬

نصيحتي‭ ‬لكل‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬وشاب‭ ‬وفتاة‭ ‬مقبلين‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ ‬لا‭ ‬تنجروا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المزلق‭ ‬الخطير‭ ‬واتقوا‭ ‬الله‭ ‬فيما‭ ‬رزقكم‭ ‬لكي‭ ‬يبارك‭ ‬لكم‭ ‬في‭ ‬رزقكم‭ ‬وحياتكم،‭ ‬فكلنا‭ ‬رأينا‭ ‬وسمعنا‭ ‬عن‭ ‬زواجات‭ ‬أُقيمت‭ ‬لها‭ ‬أكبر‭ ‬وأفخم‭ ‬حفلات‭ ‬الزفاف‭ ‬ولم‭ ‬تستمر‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أسابيع‭ ‬وأياما‭ ‬حتى‭ ‬انتهت‭ ‬بالطلاق‭ ‬أو‭ ‬الانفصال‭ ‬كفانا‭ ‬الله‭ ‬وإياكم‭.‬