ريشة في الهواء

“الأسود والحملان”

| أحمد جمعة

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬كتبتُ‭ ‬مقالا‭ ‬حذرتُ‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تآكل‭ ‬الخريطة‭ ‬العربية‭ ‬وانهيار‭ ‬النظام‭ ‬العربي،‭ ‬واستشهدت‭ ‬حينها‭ ‬بالقصة‭ ‬التالية‭ ‬التي‭ ‬بلغناها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬الساحة‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬وتونس،‭ ‬والبقية‭ ‬تأتي،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عيون‭ ‬وعقول‭ ‬الماكينة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭! ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬العبث‭ ‬بالقواعد‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬المؤسسون‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬القصة‭ ‬المستوحاة‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬أحداث‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬بقيام‭ ‬جنرال‭ ‬ألماني‭ ‬بالتعليق‭ ‬على‭ ‬شجاعة‭ ‬الجنود‭ ‬البريطانيين‭ ‬مقابل‭ ‬تخاذل‭ ‬بعض‭ ‬ضباطهم‭ ‬حينما‭ ‬قال‭ ‬هذا‭ ‬الجنرال‭ ‬ممتدحاً‭ ‬الجنود‭ ‬الإنجليز‭: ‬رأيت‭ ‬أسوداً‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬تقودها‭ ‬حملان‭.‬

هنا‭ ‬تكمن‭ ‬حكمة‭ ‬العبارة‭ ‬ومصداقيتها‭ ‬وانطباقها‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الحرب‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والسياسة‭ ‬والعلاقات‭ ‬العامة‭ ‬وكل‭ ‬مرافق‭ ‬الحياة،‭ ‬فحينما‭ ‬تقود‭ ‬الحملان‭ ‬الأسود‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خللا‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬الطبيعي‭ ‬وخطأ‭ ‬جسيما،‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬إن‭ ‬اختل‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الحياة؟

تحدث‭ ‬الفوضى‭ ‬وتتحول‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬غابات‭ ‬تحكمها‭ ‬القوة،‭ ‬مثل‭ ‬أميركا‭ ‬وأوروبا‭ ‬وروسيا‭ ‬وحتى‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭! ‬والأسود‭ ‬والحملان‭ ‬هنا‭ ‬تتبادل‭ ‬الأماكن‭ ‬وتلجأ‭ ‬القوة‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬القانون‭ ‬وفرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬التركي‭ ‬الحمل‭ ‬إلى‭ ‬أسد‭ ‬وتحول‭ ‬العرب‭ ‬جميعهم‭ ‬إلى‭ ‬حمل،‭ ‬وهنا‭ ‬تبدو‭ ‬الأمور‭ ‬مقلوبة‭ ‬ونحاول‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬ترقيع‭ ‬وترميم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أمل‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭.‬

ونحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬فوضى‭ ‬تضرب‭ ‬المنطقة‭ ‬ويبدو‭ ‬فيها‭ ‬العرب‭ ‬قد‭ ‬فقدوا‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬وبدأ‭ ‬الآخرون‭ ‬يجرونهم‭ ‬للساحات‭ ‬الداخلية،‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬محاربة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬أراضيها‭ ‬تحاربنا‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وتركيا‭ ‬تحاربنا‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ولا‭ ‬نعلم‭ ‬غداً‭ ‬من‭ ‬يحاربنا‭ ‬أين؟‭ ‬العفاريت‭ ‬المختبئة‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬تهيمن‭ ‬على‭ ‬ديارنا‭ ‬وقد‭ ‬أثمرت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬فوضى،‭ ‬وأينما‭ ‬ذهبنا‭ ‬نبصر‭ ‬الأحداث‭ ‬تسيح‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬ونحن‭ ‬أشبه‭ ‬بالترس‭ ‬الذي‭ ‬وُضِع‭ ‬في‭ ‬آلة‭ ‬لا‭ ‬تناسبه،‭ ‬نحن‭ ‬إزاء‭ ‬إشكالية‭ ‬تتجلى‭ ‬بانعدام‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬تجعلنا‭ ‬نقود‭ ‬المبادرات‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقودنا‭ ‬مبادرات‭ ‬الآخرين،‭ ‬فقد‭ ‬انتظرنا‭ ‬حتى‭ ‬تغرق‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬ليبيا‭ ‬لنبدأ‭ ‬الولولة‭ ‬ونتحرك‭ ‬ونجري‭ ‬والتداعيات‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬تتراكم‭.‬

نبدأ‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬ومساء‭ ‬بتصفح‭ ‬الجرائد‭ ‬ومتابعة‭ ‬الفضائيات‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لنقرأ‭ ‬أخبار‭ ‬الأسود‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬مجرد‭ ‬حملان،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬الأمر‭ ‬الرضوخ‭ ‬للأمر‭ ‬الواقع‭ ‬وهو‭ ‬فقدان‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬زرعناه‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جنيناه،‭ ‬فهل‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يزرع‭ ‬تمراً‭ ‬يجني‭ ‬منه‭ ‬أرزاً؟‭ ‬سفن‭ ‬الآخرين‭ ‬تبحر‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬وسفننا‭ ‬تبحر‭ ‬بالأشرعة‭ ‬والبحر‭ ‬هائل‭ ‬بالأمواج‭ ‬العاتية،‭ ‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬أين؟

 

تنويرة‭:

‬دع‭ ‬الرياح‭ ‬تسير‭ ‬مركبك‭ ‬ولكن‭ ‬اعرف‭ ‬قبلها‭ ‬اتجاهك‭.‬