ومضة قلم

علي الغرير الفنان والإنسان

| محمد المحفوظ

بعد‭ ‬غياب‭ ‬الفنان‭ ‬الجميل‭ ‬والإنسان‭ ‬البسيط‭ ‬علي‭ ‬الغرير،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬خاطر‭ ‬الكثيرين‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬أحبه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬وطبقاتهم؟‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬الجارف‭ ‬وبهذا‭ ‬الإجماع‭ ‬النادر،‭ ‬لا‭ ‬أظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يحزن‭ ‬على‭ ‬رحيله‭ ‬لأننا‭ ‬لمسنا‭ ‬فيه‭ ‬جزءا‭ ‬منا‭ ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬يعم‭ ‬الحزن‭ ‬ابن‭ ‬القرية‭ ‬كابن‭ ‬المدينة‭... ‬الجميع‭ ‬حزن‭ ‬لرحيله‭. ‬

قد‭ ‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬أنّ‭ ‬ابتسامته‭ ‬وخفة‭ ‬ظله‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬وربما‭ ‬يعتقد‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬أنّ‭ ‬كلماته‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬قلبه‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الناس‭ ‬لمحبته‭ ‬وربما‭ ‬يذهب‭ ‬فريق‭ ‬ثالث‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬تواضعه‭ ‬الجم‭ ‬للصغير‭ ‬قبل‭ ‬الكبير‭ ‬يمثل‭ ‬الدافع‭ ‬الأكبر،‭ ‬وقد‭ ‬يجد‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬إبداعه‭ ‬وتميزه‭ ‬وبساطته‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬جسدها‭ ‬عبر‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬المسلسلات‭ ‬وعلى‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬قربه‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬أجزم‭ ‬أنّ‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬طبع‭ ‬شخصية‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬زرع‭ ‬الحب‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬أجمعين‭.‬

الحزن‭ ‬على‭ ‬فقد‭ ‬علي‭ ‬الغرير‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقتصرا‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬أصدقائه‭ ‬ولا‭ ‬المقربين‭ ‬منه‭ ‬ومعارفه،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬الجميع،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬علي‭ ‬الغرير‭ ‬هو‭ ‬غيابه‭ ‬المفاجئ،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬رحيله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭ ‬المبكر‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الأسى،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليه‭ ‬اثنان‭ ‬أنّ‭ ‬الفنان‭ ‬علي‭ ‬الغرير‭ ‬عشق‭ ‬فنه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬وبالتالي‭ ‬مثلت‭ ‬أدواره‭ ‬جسرا‭ ‬إلى‭ ‬قلوب‭ ‬الجمهور،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬يتمتع‭ ‬ببصيرة‭ ‬ثاقبة‭ ‬جعلته‭ ‬يؤدي‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬يختارها‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬منّا‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬أداءه‭ ‬الرائع‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ (‬سعدون‭) ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬نموذجا‭ ‬فريدا‭ ‬للإنسان‭ ‬الذي‭ ‬عشق‭ ‬أرضه‭. ‬

إنّ‭ ‬مثل‭ ‬علي‭ ‬الغرير‭ ‬الذي‭ ‬أضحكنا‭ ‬عبر‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬لا‭ ‬يموت‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬الجسد،‭ ‬والحزن‭ ‬الأكبر‭ ‬أنه‭ ‬ترك‭ ‬ميدانه‭ ‬شاغرا‭ ‬وقد‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬ليس‭ ‬قصيرا‭ ‬لمن‭ ‬يملأ‭ ‬الفراغ،‭ ‬إنه‭ ‬أورثنا‭ ‬ابتسامة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عالقة‭ ‬على‭ ‬شفاهنا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الحروب‭ ‬والآلام،‭ ‬إنّ‭ ‬الجميع‭ ‬سيترحم‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬كفنان‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كإنسان‭ ‬أولاً‭.‬