سوالف

أدباء بارعون وقارئ يستشف أبعاد الروح

| أسامة الماجد

إن‭ ‬الذين‭ ‬يحكمون‭ ‬على‭ ‬الأثر‭ ‬الأدبي‭ ‬بأنه‭ ‬أثر‭ ‬عالمي‭ ‬يحكمون‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استطاعة‭ ‬هذا‭ ‬الأثر‭ ‬أن‭ ‬يهز‭ ‬أعماق‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬الحي،‭ ‬وأن‭ ‬يأخذ‭ ‬بناحيته‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬الشعور‭ ‬بالطبيعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخيرة،‭ ‬وأن‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬معلومات‭ ‬ومعارف‭ ‬جديدة‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬نفسه‭ ‬وفهم‭ ‬كونه‭ ‬وأسباب‭ ‬المعركة‭ ‬الدائرة‭ ‬أبدا‭ ‬بين‭ ‬الشر‭ ‬والحق‭.‬

فالإنسان‭ ‬أينما‭ ‬وجد‭ ‬يطلب‭ ‬ممن‭ ‬يكتب‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يهديه‭ ‬ويرشده‭ ‬وينمي‭ ‬شعوره‭ ‬الأصيل‭ ‬بحب‭ ‬الخير‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬الفضيلة‭ ‬وترك‭ ‬نوازع‭ ‬الشر‭ ‬والخبث‭ ‬والعدوان،‭ ‬والذي‭ ‬يقرأ‭ ‬لا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يمضي‭ ‬بذلك‭ ‬لأجل‭ ‬التسلية،‭ ‬قد‭ ‬نقرأ‭ ‬لنتسلى،‭ ‬لكننا‭ ‬دائما‭ ‬نكتشف‭ ‬أعماقنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نقرأ،‭ ‬والقارئ‭ ‬العالمي‭ ‬إنسان‭ ‬مثقف‭ ‬والإنسان‭ ‬المثقف‭ ‬يرغب‭ ‬بالتجديد،‭ ‬يود‭ ‬أن‭ ‬يمضي‭ ‬في‭ ‬آفاق‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حد،‭ ‬إنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يستشف‭ ‬أبعاد‭ ‬الروح،‭ ‬وأبعاد‭ ‬الوعي‭ ‬والحقيقة‭ ‬الخالدة،‭ ‬وأن‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬يشده‭ ‬إليه‭ ‬شدا،‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يخلقه‭ ‬الأديب‭ ‬الفنان‭ ‬المبدع،‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يسمو‭ ‬بخاطره‭ ‬ويزرع‭ ‬فيه‭ ‬الأمل‭ ‬حول‭ ‬طموح‭ ‬الإنسان‭ ‬وسعيه‭ ‬إلى‭ ‬الجمال‭ ‬والكمال‭.‬

هناك‭ ‬أدباء‭ ‬بارعون‭ ‬لديهم‭ ‬قدرة‭ ‬عجيبة‭ ‬على‭ ‬التذوق‭ ‬واختيار‭ ‬نوع‭ ‬الفن‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬بواسطته‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬قوله،‭ ‬وأن‭ ‬يضع‭ ‬فيه‭ ‬نظرته‭ ‬ورؤاه‭ ‬وشخصيته‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمت‭ ‬إلى‭ ‬فلسفته‭ ‬وموقفه‭ ‬بصلة،‭ ‬حيث‭ ‬يأتي‭ ‬العمل‭ ‬متكاملا،‭ ‬فنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬مثلا‭ ‬يخيل‭ ‬إليك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬رواياته‭ ‬أنه‭ ‬اللسان‭ ‬المعبر‭ ‬عن‭ ‬البشرية،‭ ‬والفرنسي‭ ‬اميل‭ ‬زولا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬الصحيح،‭ ‬وعندما‭ ‬تقرأ‭ ‬لماركيز‭ ‬ترى‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعج‭ ‬بالتناقضات،‭ ‬أما‭ ‬بلزاك‭ ‬فهو‭ ‬رائع‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬مشاهد‭ ‬وصور‭ ‬المعركة،‭ ‬معركة‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬ذاته‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭ ‬“الأيام‭ ‬التعيسة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الثلج،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تذوب‭ ‬وتصبح‭ ‬ماء‭ ‬مسكوبا”،‭ ‬والروائي‭ ‬الصديق‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬يكتب‭ ‬من‭ ‬المنبع‭ ‬الأول‭ ‬لأحلامه‭ ‬وهواجسه‭ ‬وهو‭ ‬ذاته،‭ ‬بينما‭ ‬الصديق‭ ‬وأستاذي‭ ‬أحمد‭ ‬جمعة‭ ‬فالليل‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬كتاباته‭ ‬ويمنحه‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭.‬