من جديد

دروس في وفاة الغرير

| د. سمر الأبيوكي

حزنت‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬قلبي‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬الفنان‭ ‬علي‭ ‬الغرير،‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬الرحمة‭ ‬والمغفرة،‭ ‬ووجدتني‭ ‬متأثرة‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته،‭ ‬فبقيت‭ ‬يومين‭ ‬منزعجة‭ ‬ومنطوية‭ ‬لا‭ ‬تلهث‭ ‬نفسي‭ ‬إلى‭ ‬مطايب‭ ‬الدنيا،‭ ‬ولا‭ ‬أخفيكم‭ ‬سرا‭ ‬أنني‭ ‬أحيا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أعيش‭ ‬دهرا،‭ ‬وأحاول‭ ‬دوما‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬لواقع‭ ‬نغفل‭ ‬عنه‭ ‬وهو‭ ‬رحيلنا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الآخرة‭ ‬كما‭ ‬وأنها‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬نتيقنها‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرفضها‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬وازع‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬يحزن‭ ‬لفقد‭ ‬من‭ ‬يحبهم‭ ‬متناسيا‭ ‬أنها‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬سنواجهها‭ ‬جميعا،‭ ‬وبالفعل‭ ‬حزنت‭ ‬على‭ ‬الفنان‭ ‬علي‭ ‬الغرير‭ ‬لحبي‭ ‬فنه‭ ‬وأخلاقه،‭ ‬كما‭ ‬هالني‭ ‬أن‭ ‬يرحل‭ ‬فجأة‭ ‬دون‭ ‬وداع‭ ‬محبيه‭.‬

انتقل‭ ‬علي‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬أجمل‭ ‬ينصرنا‭ ‬في‭ ‬تعليمها‭ ‬أبناءنا‭ ‬بأن‭ ‬نحدثهم‭ ‬عن‭ ‬نعيم‭ ‬القبر‭ ‬وجنة‭ ‬عرضها‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض،‭ ‬وبات‭ ‬موضوع‭ ‬الرحيل‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬الفقد‭ ‬والحزن،‭ ‬لكنني‭ ‬وسط‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬لمست‭ ‬طاقة‭ ‬حب‭ ‬كبيرة‭ ‬لشخص‭ ‬الراحل‭ ‬وفنه‭ ‬وباتت‭ ‬صوره‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تحكي‭ ‬مقدار‭ ‬الألم‭ ‬والحرقة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬البحرينيين،‭ ‬حيث‭ ‬جمعنا‭ ‬كلنا‭ ‬كما‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أصف‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭ ‬بمشاعر‭ ‬تعلوها‭ ‬الدهشة‭ ‬والحيرة‭ ‬من‭ ‬أمرنا،‭ ‬فالراحل‭ ‬ولج‭ ‬إلى‭ ‬القلوب‭ ‬قبل‭ ‬البيوت،‭ ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬“طفاش”‭ ‬الذي‭ ‬أضفى‭ ‬البسمة‭ ‬على‭ ‬القلوب‭ ‬وجعلنا‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭ ‬صغارا‭ ‬وكبارا‭.‬

 

إن‭ ‬رحيل‭ ‬علي‭ ‬الغرير‭ ‬درس‭ ‬حقيقي‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الرسالة‭ ‬الفنية‭ ‬المقدمة‭ ‬للمجتمع‭ ‬فلم‭ ‬يخدش‭ ‬الراحل‭ ‬حياء‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬يقدم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خارج‭ ‬على‭ ‬النص،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يسعدنا‭ ‬بعفويته‭ ‬وقربه‭ ‬النفسي‭ ‬منا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬رحيله‭ ‬المفاجئ‭ ‬سبب‭ ‬صدمة‭ ‬جعلتنا‭ ‬جميعا‭ ‬نعيد‭ ‬حساباتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬ونقيم‭ ‬سلوكنا‭ ‬العام‭ ‬ونقدر‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬جاهزون‭ ‬لمواجهة‭ ‬حقيقة‭ ‬الرحيل،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وأكثر،‭ ‬فإن‭ ‬رحيل‭ ‬الفنان‭ ‬الغرير‭ ‬وحد‭ ‬الصف‭ ‬كما‭ ‬وضح‭ ‬للجميع،‭ ‬فحضر‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬جنازته‭ ‬وترحموا‭ ‬عليه‭ ‬وأقاموا‭ ‬الصدقات‭ ‬والدعوات‭ ‬لروحه‭ ‬الكريمة،‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬أننا‭ ‬استشعرنا‭ ‬أهمية‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يطيب‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يبخسه‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق،‭ ‬لقد‭ ‬شكل‭ ‬الغرير‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬برحيله‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متميزا‭ ‬بوجوده‭.. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الغرير‭ ‬وغفر‭ ‬له‭ ‬وربط‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬أهله‭ ‬ومحبيه‭.‬