سوالف

علي الغرير... كيف أتعامل مع حزن فراقك يا صديق العمر؟

| أسامة الماجد

إشفاقا‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وخوفا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الجنون،‭ ‬والسقوط‭ ‬النهائي‭ ‬في‭ ‬مقابر‭ ‬اليأس‭ ‬رحت‭ ‬أضحك‭ ‬وأضحك‭ ‬حين‭ ‬قرأت‭ ‬خبر‭ ‬وفاتك‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وأنا‭ ‬بعيد‭ ‬عنك‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬عمل‭ ‬خارج‭ ‬البحرين،‭ ‬عشت‭ ‬الفجيعة‭ ‬وشربت‭ ‬الحزن‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬وأنا‭ ‬كما‭ ‬عهدتني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأحزان‭ ‬مثل‭ ‬بقية‭ ‬البشر،‭ ‬فكيف‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬حزن‭ ‬فراقك‭ ‬يا‭ ‬صديق‭ ‬العمر‭ ‬ورفيق‭ ‬الدرب‭. ‬كيف‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭.. ‬لماذا‭ ‬يموت‭ ‬علي‭ ‬الغرير،‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬باقات‭ ‬من‭ ‬الأفراح‭ ‬إلى‭ ‬الأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬ورسم‭ ‬أكبر‭ ‬خارطة‭ ‬من‭ ‬الابتسامة‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬كل‭ ‬الناس‭.‬

ظهيرة‭ ‬يوم‭ ‬الأحد،‭ ‬تبعثرت‭ ‬حياتي‭ ‬بين‭ ‬حدائق‭ ‬الجفاف،‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬البقاء‭ ‬لثانية‭ ‬واحدة‭ ‬خارج‭ ‬البحرين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أودعك،‭ ‬ولكنه‭ ‬وداع‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬فحزمت‭ ‬حقائبي‭ ‬وكانت‭ ‬أطول‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬ففترة‭ ‬الساعتين‭ ‬والنصف‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مئة‭ ‬عام،‭ ‬وحاصرتني‭ ‬حينها‭ ‬الذكريات‭ ‬ووددت‭ ‬أن‭ ‬أبكي‭ ‬على‭ ‬صدر‭ ‬الصديق‭ ‬خالد‭ ‬الرويعي‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬لنفس‭ ‬السبب،‭ ‬تذكرت‭ ‬مواعيدنا‭ ‬البريئة‭ ‬والساذجة‭ ‬أيام‭ ‬الدراسة،‭ ‬ومحاولتك‭ ‬إقناعي‭ ‬بالتمثيل،‭ ‬تذكرت‭ ‬طريقة‭ ‬نومك‭ ‬في‭ ‬غرفتي‭ ‬وكأنني‭ ‬مازلت‭ ‬أشم‭ ‬رائحة‭ ‬صمتك‭ ‬وأحلامك،‭ ‬تذكرت‭ ‬والحزن‭ ‬يرقص‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬“مشاويرنا‭ ‬ومغامراتنا”‭ ‬بسيارتك‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى،‭ ‬تذكرت‭ ‬وآلام‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬صدري‭ ‬وقفتك‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬نادي‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬لعمل‭ ‬البروفات‭ ‬وأنا‭ ‬أنتظرك‭ ‬لنخرج‭ ‬بعدها،‭ ‬تذكرت‭ ‬سفراتنا‭ ‬العائلية‭ ‬السنوية‭ ‬وتعلقك‭ ‬بأبنائي‭ ‬وصوتك‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يرن‭ ‬في‭ ‬مسامعي‭ ‬“حمود،‭ ‬فجور‭ ‬قعدوا”‭.‬

 

كان‭ ‬عزاؤك‭ ‬مهيبا‭ ‬يليق‭ ‬ببطل‭ ‬مثلك،‭ ‬طوفان‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬والعرب‭ ‬جاءوا‭ ‬يودعونك،‭ ‬آهات‭ ‬وزفرات‭ ‬الملايين‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬المصيبة‭ ‬وهول‭ ‬الفاجعة،‭ ‬توقف‭ ‬القلب‭ ‬الكبير‭ ‬والحنون‭ ‬عن‭ ‬النبض،‭ ‬أحقا‭ ‬مات‭ ‬الفنان‭ ‬والإنسان‭ ‬علي‭ ‬الغرير؟‭ ‬صدمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬الأعصاب‭ ‬التي‭ ‬تتحملها،‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬بكائي‭ ‬بحرقة‭ ‬احتضنت‭ ‬ابنك‭ ‬وابني‭ ‬“خالد”‭ ‬وقلت‭ ‬له،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحزن،‭ ‬بل‭ ‬افتخر‭ ‬بأبيك‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬عنوانا‭ ‬للمجد‭ ‬والخلود،‭ ‬فعلي‭ ‬الغرير‭ ‬باق‭ ‬كالفرحة‭ ‬الأزلية،‭ ‬كبشارة‭ ‬الولادة‭ ‬الأولى،‭ ‬فأبوك‭ ‬الرائع‭ ‬صنع‭ ‬تاريخا‭ ‬لم‭ ‬يصنع‭ ‬مثله‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬