نفاقنا “أرض - جو”

| سعيد محمد

حتى‭ ‬من‭ ‬اتسم‭ ‬واشتهر‭ ‬بالتملق‭ ‬والنفاق‭ ‬و‭ ‬“الجمبزة”‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يصفه‭ ‬أحد‭ ‬بأنه‭ ‬منافق‭ ‬أو‭ ‬متملق‭ ‬أو‭ ‬جمبازي،‭ ‬في‭ ‬غيابه‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬حضوره‭! ‬مع‭ ‬أننا‭ ‬مجتمع‭ ‬تتصف‭ ‬“شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬فيه‭ ‬منا”‭ ‬بالنفاق‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أفعالهم‭ ‬وممارساتهم‭ ‬وانفعالاتهم،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬جاز‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يلوي‭ ‬المفردات‭ ‬ويسمى‭ ‬النفاق‭ ‬“مجاملة”‭ ‬والتملق‭ ‬“طيبة‭ ‬قلب”‭ ‬والجمبزة‭ ‬“فن‭ ‬الممكن”،‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬نفاق‭ ‬“أرض‭ ‬جو”‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مشاكلنا‭ ‬المجتمعية‭.‬

خذ‭ ‬مثلًا‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الشائعة‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬العمل،‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬الخاص‭ ‬والعام،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬والموظفات‭ ‬يصفون‭ ‬هذا‭ ‬الوزير‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬الوكيل‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬رئيس‭ ‬القسم‭ ‬بأنه‭ ‬“متغطرس”‭ ‬أو‭ ‬“فاشل‭ ‬في‭ ‬الإدارة”‭ ‬أو‭ ‬“سيئ‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬والمواطنين”،‭ ‬أو‭ ‬“يفتقد‭ ‬لأبسط‭ ‬قواعد‭ ‬وأساليب‭ ‬الكلام”،‭ ‬ولربما‭ ‬اتفق‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يرفعوا‭ ‬ضده‭ ‬شكوى‭ ‬أو،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الإمكان،‭ ‬يجلسون‭ ‬معه‭ ‬ويواجهونه‭ ‬ويبلغونه‭ ‬باستيائهم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها،‭ ‬لكن،‭ ‬إن‭ ‬التقوا‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي‭ ‬أو‭ ‬فردي،‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬كلمة‭ ‬مديح‭ ‬وإطراء‭ ‬وقصائد‭ ‬حب‭ ‬وأغاني‭ ‬الغرام‭ ‬وحكايات‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬وبطولات‭ ‬الفرسان‭ ‬الشجعان‭ ‬إلا‭ ‬و‭ ‬“ركّبوها”‭ ‬عليه،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬أنهم‭ ‬يعلمون‭ ‬“بكذبهم‭ ‬ونفاقهم”‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬“يعلم‭ ‬أنهم‭ ‬كاذبون‭ ‬ومنافقون”‭.. ‬لكن‭ ‬لزوم‭ ‬“إتيكيت‭ ‬نفاق‭ ‬أرض‭ ‬جو”‭ ‬يستدعي‭ ‬القبول‭.‬

وخذا‭ ‬هذا‭ ‬أيضًا‭.. ‬فلا‭ ‬ضير‭ ‬من‭ ‬“تشليخ‭ ‬النائب‭ ‬فلان‭ ‬أو‭ ‬العضو‭ ‬البلدي‭ ‬علان‭ ‬أو‭ ‬ممثلة‭ ‬الشعب‭ ‬فلانة‭ ‬أو‭ ‬علانة”‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬الأداء‭ ‬والحنث‭ ‬بالوعد،‭ ‬واختفائهم‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬“الرقم‭ ‬صفر”‭ ‬في‭ ‬وجودهم‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬المجلس‭ ‬البلدي،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الندم‭ ‬والقهر‭ ‬لأنهم‭ ‬وثقوا‭ ‬في‭ ‬فلان‭ ‬وعلانة‭ ‬ومنحوهم‭ ‬أصواتهم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬فلانة‭ ‬وعلان‭ ‬المترشحين‭ ‬المنافسين،‭ ‬أفضل‭ ‬منهم،‭ ‬ويقرر‭ ‬البعض‭ ‬بل‭ ‬ويكتبون‭ ‬وينشرون‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبعض‭ ‬النصوص‭ ‬المجهولة‭ ‬المصدر‭ ‬والتوقيع‭ ‬في‭ ‬“برودكاستات‭ ‬الواتس‭ ‬أب”،‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬أداء‭ ‬من‭ ‬يمثلهم‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬فيهم،‭ ‬لكن‭ ‬تعال‭ ‬وأنظر‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬“زفة‭ ‬المعرس”‭ ‬حين‭ ‬يرونهم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬أو‭ ‬زيارة‭ ‬أو‭ ‬محفل‭ ‬أو‭ ‬مناسبة،‭ ‬وخذ‭ ‬من‭ ‬“الأزرق”‭.. ‬فهذا‭ ‬النائب‭ ‬“سيد‭ ‬الرجال”‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬“النائب”‭ ‬أخت‭ ‬الرجال،‭ ‬هم‭ ‬أفضل‭ ‬وأصدق‭ ‬وأخلص‭ ‬وأحسن‭ ‬وأعلى‭ ‬وأقوى‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬ويطالب‭ ‬بحقوقهم‭ ‬ويتابع‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬ويسهر‭ ‬على‭ ‬راحتهم‭.. ‬

وهناك‭ ‬صنف‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬لا‭ ‬هو‭ ‬منافق‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬صريح‭ ‬وصادق‭ ‬وإن‭ ‬قال‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬ذلك،‭ ‬فتجده‭ ‬يهاجم‭ ‬ويلعلع‭ ‬و”يفلتها‭ ‬في‭ ‬الوجه”‭ ‬و‭ ‬“يبط‭ ‬البرمة”‭ ‬و‭ ‬“يقصف‭ ‬الجبهة”‭ ‬ويخرج‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬النائب‭ ‬أو‭ ‬كائن‭ ‬من‭ ‬يكون،‭ ‬بأسلوب‭ ‬لا‭ ‬يليق‭! ‬طيب‭ ‬يا‭ ‬جماعة،‭ ‬لا‭ ‬المنافق‭ ‬يحسن‭ ‬الفعل‭ ‬ولا‭ ‬قاصف‭ ‬الجبهات‭ ‬يحسن‭ ‬صنعًا،‭ ‬فما‭ ‬الحل‭ ‬والعمل؟‭ ‬بسيطة‭.. ‬نحتاج‭ ‬لأن‭ ‬يتولى‭ ‬الأمر‭ ‬“الثقاة”‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ممن‭ ‬يتمتعون‭ ‬بملكات‭ ‬الحديث‭ ‬والنقاش‭ ‬وصدق‭ ‬النوايا‭.. ‬لكن‭ ‬المشكلة،‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬مثل‭ ‬“حبة‭ ‬الجح”‭.. ‬والسلام‭.‬