ملوك الخليج.. تنصيب بلا تتويج ورحيل بلا ضجيج

| عبدالنبي الشعلة

رحم‭ ‬الله‭ ‬جلالة‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬استجاب‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭ ‬وثبات‭ ‬وروية‭ ‬لتحديات‭ ‬مطلع‭ ‬السبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬فأمسك‭ ‬بزمام‭ ‬السلطة‭ ‬والمسؤولية‭ ‬في‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬الشقيقة‭ ‬ليقودها‭ ‬بهدوء‭ ‬وثبات‭ ‬وروية‭ ‬أيضًا‭ ‬نحو‭ ‬معارج‭ ‬ومسارات‭ ‬الانفتاح‭ ‬والتنمية‭ ‬والتقدم‭ ‬والبناء،‭ ‬وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬تولى‭ ‬مسؤوليات‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1970م‭ ‬ضمن‭ ‬نظام‭ ‬ملكي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬بهرجة‭ ‬لتتويج،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬إقامة‭ ‬أي‭ ‬احتفال‭ ‬أو‭ ‬مراسيم‭ ‬تنصيب،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الملوك‭ ‬والسلاطين‭ ‬عند‭ ‬تقلدهم‭ ‬سلطاتهم‭ ‬الدستورية،‭ ‬ولم‭ ‬يرث‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬أو‭ ‬يصنع‭ ‬لنفسه‭ ‬كرسي‭ ‬عرش‭ ‬ليتربع‭ ‬فوقه،‭ ‬أو‭ ‬يضع‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬تاجًا‭ ‬أو‭ ‬يحمل‭ ‬بيديه‭ ‬صولجانًا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬الملوك‭ ‬والسلاطين‭ ‬أيضًا‭.‬

وعندما‭ ‬استجاب‭ ‬لنداء‭ ‬خالقه،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يسلم‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬بارئها‭ ‬أوصى‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬جنازته‭ ‬بسيطة‭ ‬مصغرة،‭ ‬وألا‭ ‬يؤخر‭ ‬دفنه،‭ ‬ودون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعوة‭ ‬أو‭ ‬استقبال‭ ‬ملوك‭ ‬ورؤساء‭ ‬الدول‭ ‬لحضور‭ ‬مراسم‭ ‬الصلاة‭ ‬والدفن،‭ ‬كما‭ ‬أوصى‭ ‬بعدم‭ ‬تزيين‭ ‬قبره‭ ‬أو‭ ‬البناء‭ ‬عليه؛‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬أراد‭.‬

وتبنت‭ ‬الأسرة‭ ‬العمانية‭ ‬المالكة‭ ‬بالإجماع‭ ‬توصية‭ ‬السلطان‭ ‬الراحل‭ ‬بتقليد‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬جلالة‭ ‬السلطان‭ ‬هيثم‭ ‬بن‭ ‬طارق،‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬اليمين‭ ‬الدستورية‭ ‬وتسلم‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم،‭ ‬وأصبح‭ ‬سلطان‭ ‬عمان‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬حفلات‭ ‬تتويج‭ ‬أو‭ ‬مراسيم‭ ‬تنصيب،‭ ‬دعاؤنا‭ ‬له‭ ‬بالتوفيق‭ ‬والسداد‭ ‬ليكون‭ ‬خير‭ ‬خلف‭ ‬لخير‭ ‬سلف‭.‬

كان‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬أنموذجا‭ ‬بارزًا‭ ‬وأحدث‭ ‬مثال‭ ‬لكل‭ ‬ملوك‭ ‬وأمراء‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬الذين‭ ‬تقلدوا‭ ‬السلطة‭ ‬وتسلموا‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬دولهم،‭ ‬بكل‭ ‬سلاسة‭ ‬ورزانة‭ ‬ووقار،‭ ‬وبعد‭ ‬أداء‭ ‬القسم‭ ‬الدستوري،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مراسيم‭ ‬أو‭ ‬احتفالات‭ ‬للتنصيب‭ ‬أو‭ ‬التتويج،‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هيل‭ ‬وهيلمان‭ ‬واستعراضات‭ ‬ومهرجانات‭ ‬وقرع‭ ‬للطبول‭ ‬والأجراس‭ ‬ونفخ‭ ‬في‭ ‬المزامير‭ ‬والأبواق؛‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬عادة‭ ‬عند‭ ‬تنصيب‭ ‬الملوك‭ ‬والأباطرة‭ ‬والسلاطين‭.‬

وخلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمهم‭ ‬فإن‭ ‬ملوك‭ ‬وأمراء‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬أيضًا،‭ ‬لا‭ ‬يتربعون‭ ‬على‭ ‬عروش‭ ‬ولا‭ ‬يضعون‭ ‬تيجانًا‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬ولا‭ ‬يحملون‭ ‬صولجانات‭ ‬بأيديهم‭.‬

‭ ‬وعندما‭ ‬يجيء‭ ‬أجل‭ ‬أي‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬ويفارق‭ ‬الحياة‭ ‬يتم‭ ‬لف‭ ‬جسده‭ ‬بقطعة‭ ‬قماش‭ ‬بيضاء‭ ‬عادية،‭ ‬كما‭ ‬يلف‭ ‬جسد‭ ‬أي‭ ‬وزير‭ ‬أو‭ ‬خفير‭ ‬أو‭ ‬فقير،‭ ‬ويوارى‭ ‬التراب‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬عرضها‭ ‬أو‭ ‬طولها‭ ‬أو‭ ‬عمقها‭ ‬عن‭ ‬مواطنيهم؛‭ ‬في‭ ‬مقابر‭ ‬عامة‭ ‬يدفن‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬العاديون‭ ‬أيضًا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تشييد‭ ‬أي‭ ‬بناء‭ ‬فوق‭ ‬قبورهم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عمل‭ ‬أي‭ ‬تمييز‭ ‬لها‭.‬

فنحن‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬المدافن‭ ‬أو‭ ‬المقابر‭ ‬أو‭ ‬الأضرحة‭ ‬الملكية‭ ‬الخاصة‭ ‬وما‭ ‬تحتويه‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬وحجرات‭ ‬وأروقة‭ ‬وقباب،‭ ‬وملوكنا‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬ولا‭ ‬يريدون‭ ‬المواكب‭ ‬الملكية‭ ‬الجنائزية‭ ‬والتوابيت‭ ‬المزخرفة‭ ‬بالأوسمة‭ ‬والنياشين،‭ ‬والمغطاة‭ ‬بأكاليل‭ ‬الورود،‭ ‬والمحمولة‭ ‬على‭ ‬عربات‭ ‬تجرها‭ ‬الخيول‭ ‬وتتقدمها‭ ‬الرايات‭ ‬والأعلام‭ ‬وتحف‭ ‬بها‭ ‬العساكر‭ ‬والجنود،‭ ‬وتحيط‭ ‬بها‭ ‬الجوقات‭ ‬والفرق‭ ‬الموسيقية،‭ ‬وتتبعها‭ ‬صفوف‭ ‬منظمة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المدعوين‭ ‬والمعزين‭.‬

ورحم‭ ‬الله‭ ‬أمير‭ ‬الكرم‭ ‬والبساطة‭ ‬والتواضع؛‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬البحرين‭ ‬الراحل‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،

الذي‭ ‬تعرض‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬قلبية‭ ‬أودت‭ ‬بحياته‭ ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬واجبه‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بدار‭ ‬الحكومة‭ ‬بالمنامة‭.‬

حدث‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬ظهيرة‭ ‬يوم‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬1999م،‭ ‬فنقل‭ ‬جثمانه‭ ‬الطاهر‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬رسميًا‭ ‬عن‭ ‬وفاته،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬روحه‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربها‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أوصى‭ ‬بأن‭ ‬يدفن‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬تأخير،‭ ‬ودون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬أي‭ ‬مراسيم‭ ‬أو‭ ‬طقوس‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬أمر‭ ‬به‭ ‬الله‭ ‬ورسوله،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بالفعل‭. ‬ففي‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬وعند‭ ‬ميقات‭ ‬صلاة‭ ‬العصر‭ ‬وصل‭ ‬جثمانه‭ ‬الطاهر‭ ‬مسجى‭ ‬في‭ ‬نعش‭ ‬إلى‭ ‬مقبرة‭ ‬الرفاع،‭ ‬وبعد‭ ‬تغسيله‭ ‬والصلاة‭ ‬عليه‭ ‬حُمل‭ ‬إلى‭ ‬مثواه‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬ومواطنيه‭ ‬تحف‭ ‬به‭ ‬قلوب‭ ‬وأفئدة‭ ‬شعبه‭ ‬الذي‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬المحبة‭ ‬والتقدير‭ ‬والولاء،‭ ‬ودفن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تغرب‭ ‬شمس‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الحزين،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬تولى‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬سلطاته‭ ‬ومسؤولياته‭ ‬أميرًا‭ ‬للدولة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدى‭ ‬القسم‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬محدود،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬مهيب‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬البساطة‭ ‬والحشمة‭ ‬والوقار،‭ ‬وضم‭ ‬كبار‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬والوزراء‭ ‬ووجهاء‭ ‬الدولة‭ ‬وأركانها،‭ ‬وبعدها‭ ‬بأيام‭ ‬قليلة‭ ‬وفي‭ ‬اجتماع‭ ‬أو‭ ‬جمع‭ ‬مماثل‭ ‬أدى‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬اليمين‭ ‬الدستورية‭ ‬وليًا‭ ‬للعهد،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أيام‭ ‬معدودة،‭ ‬وتم‭ ‬خلالها‭ ‬بسلاسة‭ ‬ويسر‭ ‬تداول‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬أطرها‭ ‬القانونية‭ ‬الشرعية‭ ‬الدستورية‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة،‭ ‬وبغرض‭ ‬المقارنة،‭ ‬فلنتذكر‭ ‬ولا‭ ‬ننسَ‭ ‬جارنا‭ ‬المرحوم‭ ‬شاه‭ ‬إيران‭ ‬محمد‭ ‬رضى‭ ‬بهلوي؛‭ ‬الذي‭ ‬أسبغ‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬لقب‭ ‬“ملك‭ ‬ملوك‭ ‬الآريين”‭ ‬والذي‭ ‬تمادى‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬الجانب‭ ‬المادي‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬العظمة‭ ‬والسلطة‭ ‬والوجاهة‭ ‬والفخامة‭ ‬الملكية،‭ ‬فصار‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬والاحتفالات‭ ‬يلبس‭ ‬هو‭ ‬وزوجته‭ ‬الأثواب‭ ‬والمعاطف‭ ‬الحريرية‭ ‬المطرزة‭ ‬بالخيوط‭ ‬الذهبية‭ ‬والفضية‭ ‬والمزخرفة‭ ‬بالأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬ويتربع‭ ‬بجانب‭ ‬زوجته‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬“عرش‭ ‬الطاووس”‭ ‬المشهور‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والفضة،‭ ‬والمرصع‭ ‬بـ‭ ‬27‭ ‬ألف‭ ‬جوهرة‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬التاج‭ ‬المميز‭ ‬الثمين‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تلبسه‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الشاه‭ ‬يضع‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬تاج‭ ‬“أكبر‭ ‬إمبراطوريات‭  ‬الشرق”،‭  ‬تزينه‭ ‬3755‭ ‬جوهرة‭ ‬من‭ ‬الألماس‭ ‬والأحجار‭ ‬الكريمة،‭ ‬وفي‭ ‬المناسبات‭ ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬الشاه‭ ‬وزوجته‭ ‬يحرصان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحملا‭ ‬بأيديهما‭ ‬الصولجانات‭ ‬المرصعة‭ ‬أيضًا‭ ‬باللآلئ‭ ‬والمجوهرات؛‭ ‬والكل‭ ‬يعرف‭ ‬بقية‭ ‬القصة‭ ‬الحزينة‭ ‬لشاه‭ ‬إيران‭.‬

وتحضرني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة‭ ‬أيضًا‭ ‬قصة‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬“الملك‭ ‬فاروق‭ ‬الأول‭ .. ‬آخر‭ ‬ملوك‭ ‬مصر”‭ ‬متعلقة‭ ‬بحفل‭ ‬تتويجه‭ ‬ملكًا‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬سن‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة،‭ ‬وهي‭ ‬السن‭ ‬القانونية‭ ‬أو‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬التي‭ ‬تؤهله‭ ‬لتولي‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬فقد‭ ‬نشب‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬القصر‭ ‬وحزب‭ ‬الوفد‭ ‬الحاكم،‭ ‬عندما‭ ‬أراد‭ ‬القصر‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الملك‭ ‬اليمين‭ ‬الدستورية‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقام‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬حفلة‭ ‬دينية‭ ‬يتوج‭ ‬فيها‭ ‬الملك‭ ‬ويُدعى‭ ‬لها‭ ‬الأمراء‭ ‬وكبار‭ ‬الرسميين‭ ‬وممثلي‭ ‬الهيئات‭ ‬السياسية‭ ‬وكبار‭ ‬العلماء‭ ‬والشيوخ‭ ‬والقضاة،‭ ‬ويقف‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬الملك‭ ‬ويدعو‭ ‬له‭ ‬ويتلو‭ ‬صيغة‭ ‬معينة‭ ‬يجيب‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬سؤال‭ ‬فيها‭ ‬ويقسم‭ ‬يمينًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بالولاء‭ ‬لشعبه‭ ‬واحترام‭ ‬القانون‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬رفاهية‭ ‬الأمة‭ ‬وإسعادها،‭ ‬ثم‭ ‬يقلده‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬“سيف‭ ‬محمد‭ ‬علي”،‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفعله‭ ‬سلاطين‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬اقتراح‭ ‬بأن‭ ‬يضع‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬باسم‭ ‬الأمة‭ ‬تاجًا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬فاروق،‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬يحضره‭ ‬ملوك‭ ‬ورؤساء‭ ‬العالم‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬النحاس‭ ‬باشا‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وحكومته‭ ‬اعترضوا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاقتراحات،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬لبس‭ ‬التاج‭ ‬يظهر‭ ‬تعالي‭ ‬وجبروت‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬شعبه،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬صعبة،‭ ‬كما‭ ‬رفض‭ ‬النحاس‭ ‬اقتراح‭ ‬إقامة‭ ‬الحفلة‭ ‬الدينية،‭ ‬مُصرًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الاحتفال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طابعه‭ ‬وطنيًا‭ ‬يتبارى‭ ‬ويتساوى‭ ‬فيه‭ ‬سائر‭ ‬المصريين‭ ‬مسلمين‭ ‬وغير‭ ‬مسلمين،‭ ‬مستبعدًا‭ ‬الحماية‭ ‬الدينية‭ ‬للملك‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستمدها‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬فقط،‭ ‬فتم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بحفل‭ ‬التتويج‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان،‭ ‬حيث‭ ‬جلس‭ ‬فاروق‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬العرش‭ ‬وأمسك‭ ‬بيده‭ ‬اليسرى‭ ‬الصولجان،‭ ‬بينما‭ ‬وضع‭ ‬يده‭ ‬اليمنى‭ ‬على‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وأدى‭ ‬اليمين‭ ‬الدستورية،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1952‭ ‬اضطر‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬إلى‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬عرشه‭ ‬ومغادرة‭ ‬بلاده‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة،‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬المنفى‭ ‬بسنين‭ ‬عندما‭ ‬جُلبت‭ ‬رفاته‭ ‬لتودع‭ ‬في‭ ‬المقبرة‭ ‬الملكية‭ ‬بالقاهرة‭.‬

لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬والمواقف؛‭ ‬فإن‭ ‬الخليجيين‭ ‬يحبون‭ ‬ويحترمون‭ ‬ويجلون‭ ‬ملوكهم‭ ‬وأمراءهم‭ ‬ويتمسكون‭ ‬بهم‭. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬المُتوفَّين‭ ‬منهم،‭ ‬وأطال‭ ‬عمر‭ ‬الباقين‭ ‬ووفقهم‭ ‬لخدمة‭ ‬أوطانهم‭ ‬وشعوبهم‭ ‬وسدد‭ ‬على‭ ‬دروب‭ ‬الخير‭ ‬خطاهم‭.‬