وَخْـزَةُ حُب

للرائحة سر وسحر!

| د. زهرة حرم

للرائحة‭ ‬سحر‭ ‬يفوق‭ ‬الخيال؛‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬عوامل‭ ‬الجذب،‭ ‬أو‭ ‬أسرع‭ ‬وسائل‭ ‬التنفير‭! ‬وكلنا‭ ‬يعرف‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬–‭ ‬حقيقة‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬الأثر‭ ‬الذي‭ ‬تُحدثه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا،‭ ‬حين‭ ‬تُلامس‭ ‬أرواحنا‭! ‬وتُغير‭ ‬من‭ ‬أمزجتنا،‭ ‬أو‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬تهدئة‭ ‬أعصابنا،‭ ‬أو‭ ‬تثير‭ ‬عواطفنا،‭ ‬وتحرك‭ ‬انفعالاتنا،‭ ‬وكيف‭ ‬تأخذنا‭ ‬بعيدًا‭ ‬نحو‭ ‬ذكريات‭ ‬مضت؛‭ ‬فتُشعل‭ ‬الحنين،‭ ‬وتُلهب‭ ‬الشعور،‭ ‬والأعجب‭ ‬كيف‭ ‬تُصيبنا‭ ‬بنشوة‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬في‭ ‬تفاؤل‭ ‬الحالمين،‭ ‬وانطلاقة‭ ‬الطامحين‭.. ‬هي‭ ‬الرائحة،‭ ‬مفتاح‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المغاليق،‭ ‬وبوابة‭ ‬مُشرعة‭ ‬نحو‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭.‬

هل‭ ‬انتبهنا‭ ‬إلى‭ ‬أثرها‭ ‬في‭ ‬نفوسنا،‭ ‬وشَغـَلَنا‭ ‬أريجُ‭ ‬الرائحة‭ ‬وعبقُها‭ ‬عن‭ ‬تعليقات‭ ‬الآخرين‭ ‬حولها،‭ ‬وعمّا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ستستوقفهم‭ ‬لحظاتٍ؛‭ ‬ليمتدحوا‭ ‬أذواقنا‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬اختيارها؟‭! ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬مدائحهم؛‭ ‬فهي‭ ‬مرغوبة‭ ‬ومطلوبة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬غفلتنا‭ ‬عن‭ ‬عميق‭ ‬أثرها،‭ ‬تجعلنا‭ ‬نفقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سرها؛‭ ‬فالوعي‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬كان؛‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬ذا‭ ‬قيمة‭ ‬وأهمية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُحدث‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬استجابتنا‭ ‬له،‭ ‬بل؛‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الجوهري‭ ‬نحو‭ ‬شعورنا‭ ‬الكامل‭ ‬به،‭ ‬واستفادتنا‭ ‬القصوى‭ ‬منه؛‭ ‬نفسيًا‭ ‬وجسديًا‭!‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬ظاهر‭ ‬في‭ ‬الرائحة‭! ‬فـ‭ ‬“رشات‭ ‬العطر”،‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬إشعار‭ ‬للآخرين‭ ‬بأناقتنا،‭ ‬ورقيّ‭ ‬أذواقنا،‭ ‬أو‭ ‬شديد‭ ‬نظافتنا،‭ ‬إنها‭ ‬لغة‭ ‬تتكلم‭ ‬بصمت؛‭ ‬لتملأَ‭ ‬يومنا‭ ‬بالبهجة،‭ ‬والأمل،‭ ‬والشغف‭. ‬رائحة‭ ‬الشاي‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬نفسه؛‭ ‬فهي‭ ‬تُرخي‭ ‬بليد‭ ‬أعصابنا،‭ ‬وتُهذب‭ ‬أمزجتنا،‭ ‬وتُنقّي‭ ‬أفكارنا،‭ ‬أريج‭ ‬المكان،‭ ‬رائحة‭ ‬الطعام،‭ ‬ورائحة‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭... ‬تظل‭ ‬دائما‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬الحسيّ‭ ‬نفسه؛‭ ‬فهي‭ ‬فاتحة‭ ‬الدخول‭ ‬إليه‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬منه،‭ ‬ومؤشر‭ ‬الانجذاب‭ ‬أو‭ ‬النفور‭!‬

للرائحة‭ ‬الطيبة‭ ‬جمالية‭ ‬خاصة؛‭ ‬يُعرف‭ ‬بها‭ ‬كلُ‭ ‬جميل‭! ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يُعجبنا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬مقرون‭ ‬بها؛‭ ‬البحر،‭ ‬والتراب،‭ ‬والزهر‭... ‬وعددوا‭ ‬معي‭ ‬ما‭ ‬تحبون؛‭ ‬ستكتشفون‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يُلامس‭ ‬ذاكرتكم‭ ‬منه؛‭ ‬هو‭ ‬الرائحة،‭ ‬ولو‭ ‬افترضنا‭ ‬العكس؛‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬قبيح‭ ‬تذكرونه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬كان؛‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬الرائحة،‭ ‬وكأنها‭ ‬جواز‭ ‬عبورنا‭ ‬نحوه،‭ ‬أو‭ ‬وثيقة‭ ‬طردنا‭ ‬ونفينا‭ ‬له‭! ‬

يعلمنا‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نتقن‭ ‬طقوس‭ ‬الروائح؛‭ ‬أن‭ ‬ننتقي‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬نحب،‭ ‬وأن‭ ‬نُهندس‭ ‬الأجواء‭ ‬المفعمة‭ ‬بما‭ ‬تشتهيه‭ ‬أرواحنها‭ ‬منها؛‭ ‬بما‭ ‬يساعدها‭ ‬على‭ ‬التسرّب‭ ‬اللطيف‭ ‬إلى‭ ‬أجسادنا‭ ‬المتعبة؛‭ ‬المنهكة‭ ‬بأعباء‭ ‬أعمالها‭ ‬اليومية،‭ ‬ويحقق‭ ‬لها‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاسترخاء‭ ‬اللذيذ‭! ‬أَلَا‭ ‬ترون‭ ‬أن‭ ‬علاجات‭ ‬الـ‭ ‬“أروما‭ ‬ثيرابي”‭ ‬ترتكز‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬على‭ ‬الزيوت‭ ‬العطرية‭! ‬السر‭ ‬كامن‭ ‬–‭ ‬بامتياز‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬سحر‭ ‬الرائحة،‭ ‬وقابليتها‭ ‬السريعة‭ ‬للنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬الروح،‭ ‬واختراق‭ ‬حواجز‭ ‬الشعور،‭ ‬بل؛‭ ‬واللاشعور‭.‬