صناعة المستقبل

| د. جاسم المحاري

مفردة‭ ‬“المستقبل”‭ ‬تشير‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غامضٌ‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬معروفٍ‭ ‬من‭ ‬مواقف،‭ ‬ويشعر‭ ‬تجاهها‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬بالمشاعر‭ ‬المتنوعة‭ ‬والأحاسيس‭ ‬المختلطة،‭ ‬فتارةً‭ ‬يترقب‭ ‬المستقبل‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر،‭ ‬مُنتظرًا‭ ‬الحدث‭ ‬المفرح‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬السعادة‭ ‬على‭ ‬حياته،‭ ‬وتارةً‭ ‬أخرى‭ ‬يخافه‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬يُشعره‭ ‬بالقلق‭ ‬والحزن،‭ ‬فيما‭ ‬ترتبط‭ ‬هذه‭ ‬المفردة‭ - ‬أي‭ ‬المستقبل‭ - ‬لدى‭ ‬كثيرين‭ ‬بالإنجازات‭ ‬والطموحات‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬بالهم؛‭ ‬فيُعلّقون‭ ‬آمالهم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مُقبل‭ ‬ليكون‭ ‬جديدًا‭ ‬حاملًا‭ ‬معه‭ ‬إمكان‭ ‬تغيير‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬بمجرد‭ ‬قدومه‭! ‬فيما‭ ‬يضع‭ ‬كثيرون‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬تقضي‭ ‬بتحقيق‭ ‬بعض‭ ‬أهدافهم،‭ ‬والتي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يضعونها‭ ‬نُصب‭ ‬أعينهم‭ ‬بالتفكير‭ ‬في‭ ‬رغباتهم‭ ‬التي‭ ‬سيكونون‭ ‬عليها‭ ‬لما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬حياتهم؛‭ ‬باعتبار‭ ‬المستقبل‭ ‬مرآة‭ ‬لحاضرهم‭ ‬وخلاصة‭ ‬لماضيهم،‭ ‬برهانهم‭ ‬أنّهم‭ ‬الوحيدون‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬إضفاء‭ ‬السعادة‭ ‬أو‭ ‬التعاسة‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬يلجأوا‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬المستقبل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعيشوه‭!‬

قد‭ ‬ينطوي‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُمكن‭ ‬تسميته‭ ‬“صناعة‭ ‬المستقبل”‭ (‬Making the Future‭) ‬التي‭ ‬تحدّث‭ ‬عنها‭ ‬المفكر‭ ‬الأميركي‭ ‬نعومي‭ ‬تشومسكي‭ ‬العام‭ ‬2007م‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالات‭ ‬صحافية‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬“نيويورك‭ ‬تايمز”‭ ‬الشهيرة،‭ ‬وأشار‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬استثمار‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬بصورة‭ ‬ناجحة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكريس‭ ‬جميع‭ ‬الجهود‭ ‬والمهارات‭ ‬والقدرات‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬ناجحة‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬مالية‭ ‬حكيمة‭ ‬تُوفر‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمان‭ ‬المادي‭ ‬للمستقبل‭ ‬بعد‭ ‬وضع‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تُساعد‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الميزانية‭ ‬المالية‭ ‬لضمان‭ ‬المستقبل‭ ‬المالي‭ ‬الآمن‭ ‬الذي‭ ‬يستوعب‭ ‬المصاريف‭ ‬الطارئة‭ - ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ - ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬قادرةً‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬المتغيرات‭ ‬وتخصيص‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬وتقليل‭ ‬المصاريف‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭.‬

نافلة

صناعة‭ ‬المستقبل،‭ ‬أسهمت‭ - ‬بلا‭ ‬ريب‭ - ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬بقاء‭ ‬الأمم‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬التنافسية‭ ‬الحرة‭ ‬عبر‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأُطر‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬لشعوبها‭ ‬بناء‭ ‬القدرات‭ ‬وتوسيع‭ ‬المدارك‭ ‬وتعميق‭ ‬الثقافات‭ ‬وزيادة‭ ‬المعارف‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬تأهيلهم‭ ‬وتحضيرهم‭ ‬لقيادة‭ ‬المستقبل‭ ‬واستشرافه‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وإشراكه‭ ‬مختلف‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مستهدفاتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬الفرق‭ ‬وتحليل‭ ‬التحديات‭ ‬وابتكار‭ ‬النماذج‭ ‬والحلول‭ ‬لحل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬العالمية‭.‬