زبدة القول

الرد الإيراني الذي توقعناه

| د. بثينة خليفة قاسم

قبل‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬عمودي‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬توقعت‭ ‬فيه‭ ‬طبيعة‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬المحتمل‭ ‬أو‭ ‬المتاح‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني،‭ ‬تحققت‭ ‬توقعاتي‭ ‬تماما‭ ‬حول‭ ‬سقف‭ ‬الانتقام‭ ‬الإيراني‭ ‬لما‭ ‬جرى،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬النتيجة‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬جعجعة‭ ‬بلا‭ ‬طحين،‭ ‬فقد‭ ‬قتل‭ ‬سليماني،‭ ‬ثم‭ ‬قتل‭ ‬خمسون‭ ‬إيرانيا‭ ‬وأصيب‭ ‬المئات‭ ‬جراء‭ ‬التزاحم‭ ‬خلال‭ ‬تشييع‭ ‬جنازته،‭ ‬ومات‭ ‬مئة‭ ‬وخمسون‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬طائرة‭ ‬مرت‭ ‬لسوء‭ ‬حظ‭ ‬ركابها‭ ‬فوق‭ ‬أجواء‭ ‬العراق‭ ‬خلال‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تقتل‭ ‬ولم‭ ‬تصب‭ ‬سوى‭ ‬العراقيين‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬وتوقعنا،‭ ‬أما‭ ‬الأميركان‭ ‬فلم‭ ‬يحدث‭ ‬لهم‭ ‬شيء،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬مسرحية‭ ‬بالفعل‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭.‬

إيران‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تشفي‭ ‬غليل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وأن‭ ‬تضمن‭ ‬عدم‭ ‬تعرضها‭ ‬لضربة‭ ‬ثانية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خسائرها‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬خسارة‭ ‬الجنرال‭ ‬سليماني،‭ ‬فأطلقت‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬خالية‭ ‬ولم‭ ‬تصب‭ ‬أي‭ ‬أميركي‭ ‬بأذى‭. ‬الشيء‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬أن‭ ‬مراقبين‭ ‬عراقيين‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬قامت‭ ‬قبيل‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬بساعات‭ ‬بنقل‭ ‬جنود‭ ‬ومعدات‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬داخل‭ ‬قاعدة‭ ‬عين‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬الأنبار‭ ‬منعا‭ ‬لوقوع‭ ‬إصابات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭.‬

واستدل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المراقبون‭ ‬بهذا‭ ‬التحرك‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬تنسيق‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وطهران‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الضربة‭ ‬وحدودها‭ ‬ومداها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وساطة‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬دولة‭ ‬خليجية‭ ‬قام‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬بزيارة‭ ‬طهران‭ ‬عقب‭ ‬الحادث،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الملاحظات،‭ ‬التي‭ ‬تدعونا‭ ‬لتصديق‭ ‬مسألة‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وأميركا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الضربة‭ ‬المسرحية،‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬جواد‭ ‬ظريف‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيراني‭ ‬عقب‭ ‬انتهاء‭ ‬الضربة‭ ‬مباشرة‭ ‬وخصوصا‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬الأميركية‭ ‬هو‭ ‬الرد‭ ‬النهائي‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬سليماني‭. ‬

النتيجة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للهجوم‭ ‬الإيراني‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬خفف‭ ‬حدة‭ ‬الضغط‭ ‬الداخلي‭ ‬على‭ ‬ترامب‭ ‬وأعطى‭ ‬رسالة‭ ‬طمأنة‭ ‬للأميركيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يخشون‭ ‬سقوط‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬غيرها،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬سيصدق‭ ‬كل‭ ‬الأغبياء‭ ‬والحمقى‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬انتقمت‭ ‬شر‭ ‬انتقام‭ ‬من‭ ‬الأميركيين‭ ‬وأن‭ ‬ثمانين‭ ‬أميركيا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الهجوم،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتفالات‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬أماكن‭ ‬كثيرة‭ ‬وعمت‭ ‬قنوات‭ ‬كثيرة‭ ‬والتي‭ ‬مجدت‭ ‬وضخمت‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭.‬