ريشة في الهواء

الوطن حتى لا يكون في مهب الريح

| أحمد جمعة

“وطني‭ ‬وصبايا‭ ‬وأحلامي”،‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬عاصر‭ ‬هذه‭ ‬الأغنية،‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الكراهية،‭ ‬والطائفية،‭ ‬لم‭ ‬ينغمس‭ ‬بالحروب‭ ‬الداخلية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديه‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لديه،‭ ‬لكان‭ ‬استثمرها‭ ‬بأحلامه‭ ‬التنويرية،‭ ‬وتطلعاته‭ ‬الوطنية،‭ ‬وازدهار‭ ‬وعيه‭ ‬بالثقافة‭ ‬والمعرفة‭ ‬والوعي‭ ‬الحضاري‭ ‬والإنساني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيشه‭ ‬بحرية‭ ‬وبلا‭ ‬قيود‭ ‬دينية‭ ‬ومذهبية‭ ‬وعصبيات‭ ‬قبلية،‭ ‬كان‭ ‬جيل‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭ ‬وزمن‭ ‬التنوير،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬لحركة‭ ‬التعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬والمعرفة‭ ‬التي‭ ‬بنت‭ ‬أوطانا‭ ‬نعيش‭ ‬فيها‭ ‬اليوم،‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬خربتها‭ ‬الحروب‭ ‬الطائفية‭ ‬والعصبية‭ ‬والتخندق‭ ‬المذهبي‭ ‬والتطرف‭ ‬الديني‭ ‬مع‭ ‬الانحراف‭ ‬السياسي‭.‬

أبدأ‭ ‬بهذه‭ ‬المقدمة‭ ‬وأنا‭ ‬أتأمل‭ ‬الآن‭ ‬حالة‭ ‬المنطقة‭ ‬وما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬تشرذم‭ ‬وانقسام‭ ‬وانفصال‭ ‬عن‭ ‬اللحمة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولن‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬تقع‭ ‬عليه‭ ‬مسؤولية‭ ‬هذا‭ ‬الارتداد‭ ‬للعصور‭ ‬المظلمة،‭ ‬لكن‭ ‬فقط‭ ‬أراقب‭ ‬وضع‭ ‬المنطقة‭ ‬عشية‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستحسم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬المعلقة،‭ ‬فحالة‭ ‬التأهب‭ ‬بالمنطقة‭ ‬على‭ ‬كف‭ ‬عفريت،‭ ‬وما‭ ‬تنقصنا‭ ‬سوى‭ ‬شرارة‭ ‬طائشة‭ ‬حتى‭ ‬ينفجر‭ ‬البركان،‭ ‬والكل‭ ‬يدرك‭ ‬حتى‭ ‬إيران‭ ‬ذاتها‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬حمل‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬أميركا‭ ‬التي‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬ترسانات‭ ‬خرافية‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تبيد‭ ‬العالم‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬إيران،‭ ‬لكن‭ ‬الحرب‭ ‬حرب،‭ ‬والدمار‭ ‬يعم‭ ‬ولا‭ ‬نتمنى‭ ‬الحرب،‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬وسيلة‭ ‬لفقء‭ ‬الدمل‭ ‬المحتقنة‭ ‬سوى‭ ‬المشرط،‭ ‬فإذا‭ ‬الحرب‭ ‬وسيلة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يهوى‭ ‬سفك‭ ‬الدماء‭ ‬وتدمير‭ ‬بنية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بالمنطقة‭ ‬وتحمل‭ ‬وزر‭ ‬عقود‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬وتحمل‭ ‬تكلفة‭ ‬الحروب‭. ‬

وهنا‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬سوى‭ ‬خيار‭ ‬الشعوب‭ ‬ووحدتها‭ ‬والتفافها‭ ‬حول‭ ‬جبهة‭ ‬داخلية،‭ ‬تزيل‭ ‬عنها‭ ‬الاحتقان‭ ‬وتؤسس‭ ‬لجيل‭ ‬يشبه‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬بداية‭ ‬المقال،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الانشقاق‭ ‬والتمزق‭ ‬كالذي‭ ‬نراه‭ ‬يضرب‭ ‬بجذوره‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تخلو‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬منه،‭ ‬ففي‭ ‬العراق‭ ‬تمزق‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المليشيات‭ ‬من‭ ‬عصائب‭ ‬وعصابات‭ ‬وإخوان‭ ‬وحشود‭ ‬احتلت‭ ‬مكان‭ ‬الدولة،‭ ‬وكذلك‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬متماسكا‭ ‬بهذه‭ ‬الظروف‭ ‬سوى‭ ‬منظومة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬بالمنطقة‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬بعضها‭ ‬تحديات‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تجاوزها‭.‬

إذا‭ ‬نحن‭ ‬نقف‭ ‬بمفترق‭ ‬طرق‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الإقليمية‭ ‬كلها‭ ‬تبدو‭ ‬فيها‭ ‬الخريطة‭ ‬تحت‭ ‬ظلّ‭ ‬التقسيم‭ ‬أو‭ ‬التعديل‭ ‬أو‭ ‬الرسم‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وما‭ ‬ينقذ‭ ‬هذه‭ ‬الأوطان‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬الكامل‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للتقسيم‭ ‬وإعادة‭ ‬الرسم،‭ ‬سوى‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬نبذ‭ ‬الصراع‭ ‬والالتفاف‭ ‬حول‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمزق‭ ‬أو‭ ‬انقسام‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬مذهبي،‭ ‬الذي‭ ‬للأسف‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬الوضع‭ ‬بالدول‭ ‬التي‭ ‬تمزقت‭. ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لنبذ‭ ‬الانقسام‭ ‬والالتفاف‭ ‬حول‭ ‬الوطن‭ ‬وحده‭.‬

تنويرة‭: ‬السباق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬عنه‭ ‬شيئا،‭ ‬لا‭ ‬تراهن‭ ‬عليه‭.‬