وَخْـزَةُ حُب

من الفضول... إلى الفضيحة!

| د. زهرة حرم

لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬كائن‭ ‬فضولي‭ ‬بطبعه؛‭ ‬يقرأ،‭ ‬يسافر،‭ ‬يتحرك‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬–‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الجديد،‭ ‬واللافت؛‭ ‬مما‭ ‬يعود‭ ‬عليه‭ ‬بمنفعة‭ ‬أو‭ ‬معرفة‭ ‬أو‭ ‬خبرة،‭ ‬لذلك؛‭ ‬فالفضول‭ ‬المعتدل‭ ‬صفة‭ ‬محمودة،‭ ‬بل‭ ‬مطلوبة؛‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬دوره‭ ‬الحقيقي؛‭ ‬كفرد‭ ‬في‭ ‬مجتمع،‭ ‬يؤثر‭ ‬ويتأثر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭! ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الفضول‭ ‬موجودا‭ ‬لدينا؛‭ ‬لتوقفت‭ ‬تفاعلاتنا‭ ‬وأنشطتنا‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولأصابنا‭ ‬الفتور،‭ ‬وانطأفت‭ (‬مُحركات‭ ‬بحثنا‭)‬،‭ ‬وضعُفت‭ ‬دافعيتنا‭ ‬تجاه‭ ‬الأشياء‭ ‬والأشخاص‭.‬

بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يكون‭ ‬الفضول‭ ‬هو‭ ‬المثير‭ ‬الشرطي،‭ ‬والمحفِّز‭ ‬الطبيعي‭ ‬لسلوكياتنا،‭ ‬وممارساتنا،‭ ‬وتحركاتنا،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أهمية‭ ‬وجوده‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ (‬تفـلُّته‭) ‬من‭ ‬عقاله،‭ ‬يحتاج‭ ‬هذا‭ ‬الفضول‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬ضبط‭ ‬بسيطة،‭ ‬تمنعه‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬حدوده؛‭ ‬لكيلا‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬تلصص‭ ‬أو‭ ‬مراقبة‭ ‬للآخرين؛‭ ‬لا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬حرياتهم‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬مع‭ ‬حرية‭ ‬المتلصص‭ ‬ذاته؛‭ ‬إذْ‭ ‬يُقيد‭ ‬مصالحه‭ ‬ويُعطِّل‭ ‬أعماله؛‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ألاّ‭ ‬يَغيب‭ ‬عنه‭ ‬تفصيلٌ‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬قتلوه‭ ‬فضولًا،‭ ‬وشغلوه‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭.‬

يبقى‭ ‬المراقبون‭ ‬الفضوليون‭ ‬أهون‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الفضائح‭ ‬–‭ ‬موضوع‭ ‬مقالنا‭ ‬–‭ ‬الذين‭ ‬يتأبطهم‭ ‬الشيطان‭ ‬أينما‭ ‬حلّوا؛‭ ‬مِن‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ينفكُّون‭ ‬يقضون‭ ‬حياتهم‭ ‬في‭ ‬تقفَّي‭ ‬عيوب‭ ‬الآخرين،‭ ‬ورصدها،‭ ‬ثم‭ ‬نشرها،‭ ‬وتوزيعها‭! ‬مِمن‭ ‬يشعرون‭ ‬بانتصار‭ ‬المحارب؛‭ ‬حين‭ ‬يكشفون‭ ‬سرًا؛‭ ‬تترتب‭ ‬عليه‭ ‬نتائج‭ ‬كارثية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬مثل‭ ‬تشويه‭ ‬السمعة،‭ ‬والطرد،‭ ‬والنفي،‭ ‬والنبذ،‭ ‬والخسارة،‭ ‬والإفلاس‭... ‬ولاسيما‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بشخصية‭ ‬مشهورة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬معروفة‭! ‬فما‭ ‬قصتهم؟‭ ‬ولماذا‭ ‬يميلون‭ ‬نحو‭ ‬فضح‭ ‬المستور؟

لاشك‭ ‬أنهم‭ ‬ينتمون‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬وشاركوني‭ ‬آراءكم‭ - ‬إلى‭ ‬فئتين‭: ‬الأولى‭ ‬فئة‭ ‬الفضوليين‭ ‬السلبيين؛‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬تهمهم‭ ‬الفضائل‭ ‬والمحاسن‭ ‬والمآثر،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬تمامًا؛‭ ‬فهم‭ ‬ينبشون‭ ‬المساوئ‭ ‬والمثالب،‭ ‬ثم‭ ‬يشيعونها؛‭ ‬ليحققوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬السقيمة‭ ‬إحساس‭ ‬الاكتمال،‭ ‬والتفوق‭ ‬على‭ ‬المفضوح،‭ ‬خصوصًا‭ ‬إِنْ‭ ‬كانَ‭ ‬صاحبَ‭ ‬صِيت‭ ‬ورفعة‭ ‬بين‭ ‬الناس؛‭ ‬أيَا‭ ‬كان‭ ‬مجاله‭. ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عُقد‭ ‬نقص‭ ‬كامنة،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إشباع‭ ‬نفسها‭ ‬بإشاعة‭ ‬الفضائح‭ ‬وإيذاء‭ ‬الآخرين،‭ ‬والتنغيص‭ ‬عليهم‭!‬

أما‭ ‬الفئة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬الأسوأ؛‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬لأغراضها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وبقصد،‭ ‬وبسابق‭ ‬نية،‭ ‬وتدبيرٍ‭ ‬وتخطيط‭! ‬تنتظر‭ ‬المكان‭ ‬والزمان‭ ‬اللازمين؛‭ ‬لتنشر‭ ‬خبر‭ ‬الفضيحة،‭ ‬كمن‭ ‬وقّت‭ ‬صاروخًا؛‭ ‬ففجره‭! ‬هؤلاء‭ ‬مجرمون‭ ‬حقيقيون،‭ ‬لا‭ ‬تبرير‭ ‬لتصرفاتهم؛‭ ‬سوى‭ ‬الجريمة‭ ‬نفسها،‭ ‬التي‭ ‬يستحقون‭ ‬جرّاءها‭ ‬أشد‭ ‬العقاب‭! ‬فماذا‭ ‬عنا‭ ‬نحن؟‭ ‬وكيف‭ ‬نتلقى‭ ‬الفضائح؟‭!‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬غالبيتنا‭ ‬ميالون‭ ‬إلى‭ ‬أخبار‭ ‬الفضائح‭! ‬كمن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إثارة‭ ‬تُحرّك‭ ‬أيامه‭ ‬الروتينية‭ ‬الرتيبة‭! ‬في‭ ‬الفضيحة‭ ‬تجديد،‭ ‬ودهشة،‭ ‬وأحيانا‭ ‬متعة‭ ‬يُحدثها‭ ‬تناقل‭ ‬حيثياتها،‭ ‬وكيفياتها‭! ‬فإنْ‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬بُهار‭ ‬أو‭ ‬نكهة‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬غرابتها؛‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭ ‬أسهل‭ ‬طرقنا‭ ‬في‭ ‬الترفيه‭ ‬والتسلية‭!‬‭ ‬وما‭ ‬أندر‭ ‬من‭ ‬بلغته‭ ‬–‭ ‬منا‭ - ‬فضيحة‭ ‬فسترها،‭ ‬أليس‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك؟‭!.‬