من جديد

في أمر الكتابة من منظور خاص

| د. سمر الأبيوكي

من‭ ‬أصعب‭ ‬ما‭ ‬يواجه‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬مقالاته‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬دون‭ ‬شعور،‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬إحساس‭ ‬فياض،‭ ‬فلا‭ ‬الكلمة‭ ‬تصل‭ ‬ولا‭ ‬المعنى‭ ‬مفهوم،‭ ‬حقيقة‭ ‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬الكتابة‭ ‬لمجرد‭ ‬الكتابة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أيام‭ ‬كُثر‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬مزاج‭ ‬خاص‭ ‬للكتابة‭ ‬ودون‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬جلست‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الأعمدة‭ ‬لأسألهم‭ ‬حول‭ ‬أمر‭ ‬الكتابة،‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬نكتب‭ ‬لنتواجد‭ ‬أم‭ ‬نكتب‭ ‬لمغزى،‭ ‬وصرح‭ ‬لي‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أياما‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬يكتب‭ ‬فيها‭ ‬الصحافي‭ ‬لأن‭ ‬جمهوره‭ ‬ينتظر‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬ومن‭ ‬النادر‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬الأعمدة‭ ‬التي‭ ‬خطها‭ ‬أحدهم‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬أو‭ ‬لمناقشة‭ ‬مشكل‭ ‬حقيقي‭ ‬استنفر‭ ‬له‭ ‬قلم‭ ‬الكاتب‭ ‬وأبى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬ويعبر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مساحته‭ ‬الحرة‭.‬

لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يحكي،‭ ‬فما‭ ‬يكتب‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬القلب،‭ ‬فالكلمات‭ ‬تلامس‭ ‬القلوب‭ ‬قبل‭ ‬العقول،‭ ‬وهكذا‭ ‬أرى‭ ‬وأجزم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجمل‭ ‬ما‭ ‬كتبت‭ ‬ولمست‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬القراء،‭ ‬لذا‭ ‬أكتب‭ ‬ما‭ ‬أشعر‭ ‬به‭ ‬وأستغرب‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬البعض‭ ‬بموضوع‭ ‬بعينه‭ ‬دون‭ ‬آخر،‭ ‬معتقدين‭ ‬بذلك‭ ‬أنهم‭ ‬يضربون‭ ‬على‭ ‬الوتر‭ ‬أو‭ ‬يحققون‭ ‬شهرة‭ ‬أسرع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أرفضه‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬ولكنني‭ ‬كما‭ ‬أسلفت‭ ‬أكتب‭ ‬ما‭ ‬أشعر‭ ‬به،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬تام‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬متغير‭ ‬وأن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬قد‭ ‬تتأرجح‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬جمة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬أقدمه‭ ‬لطلابي‭ ‬وطالباتي‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬دراستهم‭ ‬مقرراتهم‭ ‬الجامعية‭ ‬هو‭ ‬الواقع‭ ‬بعينه‭ ‬متمثلا‭ ‬في‭ ‬تصنيف‭ (‬الحيادية‭ ‬والموضوعية‭) ‬وهما‭ ‬من‭ ‬الركائز‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الإعلام،‭ ‬بأنهما‭ ‬أمر‭ ‬نسبي‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬قياسه‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباينة‭ ‬حتى‭ ‬تتضح‭ ‬المعايير‭ ‬الحقيقية‭ ‬ويفهم‭ ‬المقصد‭.‬

على‭ ‬الأغلب‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المواضيع‭ ‬المتأرجحة‭ ‬وارتأيت‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬المتواضعة‭ ‬أن‭ ‬الإنسانيات‭ ‬لا‭ ‬تفنى‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بحاجة‭ ‬دوما‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬وقياس‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬وأدق‭ ‬ناقوسه‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬عند‭ ‬تناولي‭ ‬مواضيع‭ ‬تهتم‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والانفتاح‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬قصار‭ ‬قادمة‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬

ومضة‭: ‬أشدد‭ ‬كما‭ ‬اعتدت‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الكلمة،‭ ‬فالكلمة‭ ‬وعد،‭ ‬والكلمة‭ ‬نور،‭ ‬والحق‭ ‬بكلمة،‭ ‬ونحن‭ ‬محاسبون‭ ‬عن‭ ‬كلماتنا‭ ‬التي‭ ‬تلقى‭ ‬على‭ ‬المسامع،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بتلك‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تسطر‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وتخلد‭ ‬أمام‭ ‬الأجيال،‭ ‬كن‭ ‬قدر‭ ‬كلمتك،‭ ‬فأنت‭ ‬كلمة‭.‬