إنهم “ينددون” بأولياء نعمتهم

| صالح القلاب

هناك‭ ‬مثل‭ ‬عربي‭ ‬قديم‭ ‬يقول‭: ‬“جدْ‭ ‬لأخيك‭ ‬عذراً”‭ ‬ويقيناً‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬العراقيين،‭ ‬الذين‭ ‬بعدما‭ ‬أجبروا‭ ‬على‭ ‬التنحي‭ ‬أصبحوا‭ ‬يزاولون‭ ‬“تصريف‭ ‬أعمال”،‭ ‬والذين‭ ‬تحاشياً‭ ‬لغضب‭ ‬إيران‭ ‬عليهم‭ ‬بادروا‭ ‬إلى‭ ‬استنكار‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الموجعة‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬الأميركيون‭ ‬ضد‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬“النسخة‭ ‬العراقية”‭ ‬إذْ‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬نسخاً‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬أولها‭ ‬وأقدمها‭ ‬النسخة‭ ‬اللبنانية‭ ‬لصاحبها‭ ‬الشيخ‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬مع‭ ‬أنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬“أي‭ ‬النسخة‭ ‬العراقية”‭ ‬قام‭ ‬بهجمات‭ ‬دامية‭ ‬ضد‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬وضد‭ ‬بعض‭ ‬مواطني‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬ألف‭ ‬فضل‭ ‬وفضل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لفترة‭ ‬عابرة‭ ‬ومؤقتة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً‭ ‬بعد‭ ‬عمليات‭ ‬الأميركيين‭ ‬ضد‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬“النسخة‭ ‬العراقية”،‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬أهل‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬إن‭ ‬“دائمين”‭ ‬وإن‭ ‬“مؤقتين”‭ ‬إلى‭ ‬التباري‭ ‬في‭ ‬استنكار‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬وإدانتها‭ ‬والتنديد‭ ‬بها‭ ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬هؤلاء‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬برهم‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عائداً‭ ‬للتو‭ ‬من‭ ‬هروب‭ ‬مؤقت‭ ‬إلى‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬الذي‭ ‬يرأسه‭ ‬البارزاني،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬إن‭ ‬هم‭ ‬لم‭ ‬يفعلوا‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬حسابهم‭ ‬سيكون‭ ‬شديداً‭ ‬وسيتهمون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قادة‭ ‬الميليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬وقادتها‭ ‬المعينين‭ ‬من‭ ‬طهران‭ (‬الخامنئية‭)‬،‭ ‬بالعمالة‭ ‬لـ‭ ‬“السي‭ ‬آي‭ ‬أيه”‭ ‬الأميركية‭ ‬والرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وأيضاً‭ ‬لـ‭ ‬“العدو‭ ‬الصهيوني”،‭ ‬وقد‭ ‬تثقب‭ ‬أجسادهم‭ ‬بالرصاص‭ ‬أو‭ ‬يعلقون‭ ‬على‭ ‬أعواد‭ ‬المشانق‭ ‬بتهمة‭ ‬العمالة‭.‬

الكل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬سواءً‭ ‬كان‭ ‬“النسخة‭ ‬العراقية”‭ ‬أم‭ ‬“النسخة‭ ‬اللبنانية”،‭ ‬أم‭ ‬النسخ‭ ‬المتعددة‭ ‬الأخرى،‭ ‬هو‭ ‬ذراع‭ ‬مخابراتي‭ ‬إيراني‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬بالنسبة‭ ‬لـ‭ ‬“نسخة‭ ‬ضاحية‭ ‬بيروت‭ ‬الجنوبية”‭ ‬بعظمة‭ ‬لسانه‭ ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬نسخاً‭ ‬أخرى‭ ‬بأسماء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬“الحشد‭ ‬الشعبي”،‭ ‬وجميعها‭ ‬مرجعيتها‭ ‬“حراس‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية”،‭ ‬وهي‭ ‬عندما‭ ‬تنفذ‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬ضد‭ ‬أيٍّ‭ ‬من‭ ‬مناهضي‭ ‬إيران‭ ‬فإنها‭ ‬تنفذها‭ ‬بأوامر‭ ‬من‭ ‬طهران‭ ‬وبدون‭ ‬علم‭ ‬ومعرفة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتربعون‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد‭.‬

كان‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬بادروا‭ ‬بعد‭ ‬الضربة‭ ‬الأميركية‭ ‬الأخيرة‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬“النسخة‭ ‬العراقية”‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬نسخة‭ ‬إيرانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬إلى‭ ‬التنديد‭ ‬بهذه‭ ‬الضربة‭ ‬أن‭ ‬يتذكروا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أزاحت‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬أمامهم،‭ ‬وأنها‭ ‬للأسف‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬حدود‭ ‬العراق‭ ‬أمام‭ ‬الزحف‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬متواصلاً‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬أي‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬وأنها‭ ‬أي‭ ‬“أميركا”‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬بضرباتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬فإنها‭ ‬كانت‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬ضباطها‭ ‬وجنودها‭ ‬الذين‭ ‬لولاهم‭ ‬لكان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬مازالوا‭ ‬لاجئين‭ ‬سياسيين‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الألف‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬التي‭ ‬تعادي‭ ‬العرب‭ ‬أكثر‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬عداوتها‭ ‬لـ‭ ‬“العدو‭ ‬الصهيوني”‭.‬

وهكذا‭ ‬فمن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنحياز‭ ‬الذين‭ ‬يجلسون‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬وإن‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬شكلي،‭ ‬لأولياء‭ ‬نعمتهم‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أزاحوا‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬أمامهم‭ ‬وشكرهم‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬“بالشكر‭ ‬تدوم‭ ‬النعم”،‭ ‬والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬الوجود‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬وجود‭ ‬احتلالي،‭ ‬وإذا‭ ‬غادر‭ ‬الأميركيون‭ ‬العراق‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬سيأتي‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الألقاب‭ ‬اللامعة‭ ‬الطنانة‭ ‬والرنانة‭... ‬وإن‭ ‬غداً‭ ‬لناظره‭ ‬قريب‭. ‬“إيلاف”‭.‬