عصفور كفل بلبول.. عن الفساد

| سعيد محمد

هذا‭ ‬المثل‭ ‬الجميل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأمثال‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬البحريني‭ ‬والخليجي‭ ‬“عصفور‭ ‬كفل‭ ‬بلبول‭ ‬والاثنين‭ ‬طيارة”،‭ ‬أو‭ ‬“اثنيناتهم‭ ‬طياره”،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مستخدم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كدول‭ ‬الشام‭ ‬مثلًا‭ ‬بصيغة‭ :‬”عصفور‭ ‬كفل‭ ‬زرزور‭ ‬والاثنين‭ ‬يطيرون”،‭ ‬وهذا‭ ‬المثل‭ ‬كما‭ ‬يعرفه‭ ‬الكثيرون‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬الاثنين‭ ‬اللذين‭ ‬يكفلان‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬النوعية‭.. ‬يعني،‭ ‬كذاب‭ ‬يشهد‭ ‬لكذاب،‭ ‬أو‭ ‬لص‭ ‬يؤتمن‭ ‬على‭ ‬لص،‭ ‬أو‭ ‬شاهد‭ ‬زور‭ ‬يقدم‭ ‬شهادته‭ ‬عن‭ ‬شاهد‭ ‬زور‭ ‬آخر‭ ‬وهكذا‭.‬

كنت‭ ‬أطالع‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬تقريرًا‭ ‬صدر‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬11‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭ ‬2019‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬الدولية،‭ ‬بشأن‭ ‬مقياس‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وهذا‭ ‬التقرير‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬وشمل‭ ‬مسحًا‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬6600‭ ‬مبحوث‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الست‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‭ ‬أن‭ ‬65‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬شهدت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬فيما‭ ‬انتقدت‭ ‬نسبة‭ ‬بلغت‭ ‬66‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬المبحوثين‭ ‬أداء‭ ‬حكوماتهم‭ ‬وبرامجها‭ ‬وخططها‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬المشاركون‭ ‬يدركون‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬أن‭ ‬بلدانهم‭ ‬لا‭ ‬تتخذ‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬وبرامج‭ ‬المكافحة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬الفساد‭.‬

حسنًا،‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬حول‭ ‬كلفة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الأرقام،‭ ‬وأقرب‭ ‬تلك‭ ‬الأرقام‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬كلفة‭ ‬الفساد‭ ‬تبلغ‭ ‬نسبة‭ ‬قدرها‭ ‬3‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬بما‭ ‬يقدر‭ ‬بتسعين‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا،‭ ‬والشيء‭ ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬“الفساد”‭ ‬الصغير،‭ ‬له‭ ‬أثره‭ ‬البالغ‭ ‬والخطير‭ ‬في‭ ‬تفشي‭ ‬ممارسات‭ ‬الفساد‭ ‬ومظاهره،‭ ‬والفساد‭ ‬الصغير‭ ‬يشمل‭: ‬الابتزاز‭ ‬بكل‭ ‬صوره،‭ ‬الواسطة،‭ ‬المحسوبية،‭ ‬الرشاوي،‭ ‬التستر‭ ‬على‭ ‬السرقات‭ ‬وتسهيل‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬إكمال‭ ‬مهمته‭ ‬“بدقة‭ ‬عالية”،‭ ‬فيما‭ ‬كل‭ ‬الممارسات،‭ ‬صغرت‭ ‬أم‭ ‬كبرت،‭ ‬فإنها‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬لها‭ ‬ضررها‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تنفع‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬لهم،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬تنموية‭ ‬لتحسين‭ ‬المعيشة‭ ‬وتوظيف‭ ‬العاطلين‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تنفع‭ ‬الأوطان‭ ‬وترفع‭ ‬اقتصادها‭ ‬الوطني‭ ‬ومداخليها‭ ‬القومية‭.‬

لكن‭ ‬هناك‭ ‬تكتيكات‭ ‬احترافية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬العربية‭ ‬وغير‭ ‬العربية‭ ‬بالطبع،‭ ‬ومن‭ ‬أخطر‭ ‬هذه‭ ‬التكتيكات،‭ ‬استخدام‭ ‬المثل‭ ‬أعلاه‭ :‬”عصفور‭ ‬كفل‭ ‬بلبول‭ ‬الاثنين‭ ‬طياره”،‭ ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المعوقات‭ ‬لمواجهة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وجود‭ ‬منظمات‭ ‬وهيئات‭ ‬ولجان‭ ‬رقابة‭ ‬من‭ ‬الفاسدين،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تتولى‭ ‬عملية‭ ‬التحقيق‭ ‬والمساءلة‭ ‬وتشخيص‭ ‬أسباب‭ ‬وأوجه‭ ‬انتشار‭ ‬الفساد،‭ ‬وهذا‭ ‬يسند‭ ‬ظهر‭ ‬هذا،‭ ‬وذاك‭ ‬يتستر‭ ‬على‭ ‬ذاك،‭ ‬والاثنين‭.. ‬طياره‭.‬