في قرطاجنة.. حكاية قوارب كاسترو

| عبدالنبي الشعلة

في‭ ‬العام‭ ‬1995‭ ‬وبترشيح‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬فقد‭ ‬شرفني‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬البحرين‭ ‬الراحل‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬بالإنابة‭ ‬عنه‭ ‬وترؤس‭ ‬الوفد‭ ‬المشارك‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬الدورة‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬لمؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬لدول‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كرتخينا‭ ‬أو‭ ‬قرطاجنة‭ ‬بكولومبيا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬18‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭.‬

وفي‭ ‬الطريق‭ ‬توقفنا‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬حيث‭ ‬تحتفل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬بمرور‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬تأسيسها،‭ ‬وكانت‭ ‬المدينة‭ ‬مكتظة‭ ‬بملوك‭ ‬ورؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬أو‭ ‬ممثليهم‭ ‬والوفود‭ ‬المرافقة‭ ‬الذين‭ ‬تقاطروا‭ ‬وملأوا‭ ‬الفنادق‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدورة‭ ‬والاحتفال‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬وقد‭ ‬مثل‭ ‬أمير‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاجتماعات‭ ‬والاحتفالات‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬مبارك‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬وزيرًا‭ ‬للخارجية‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬فإن‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1961،‭ ‬وقد‭ ‬انطلقت‭ ‬بادرة‭ ‬التأسيس‭ ‬من‭ ‬زعيم‭ ‬آسيوي‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الهند‭ ‬جواهر‭ ‬لال‭ ‬نهرو،‭ ‬وزعيم‭ ‬عربي‭ ‬إفريقي‭ ‬هو‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وزعيم‭ ‬أوروبي‭ ‬هو‭ ‬جوزيف‭ ‬بروس‭ ‬تيتو‭ ‬رئيس‭ ‬يوغسلافيا،‭ ‬وكان‭ ‬هدفها‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬وميادين‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬تصاعدت‭ ‬بين‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬والمعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬بقيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭.‬

في‭ ‬مقر‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬وفي‭ ‬ردهات‭ ‬الفنادق‭ ‬القريبة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مخصصة‭ ‬لإقامة‭ ‬الوفود‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حضور‭ ‬كثيف‭ ‬ومميز‭ ‬لقادة‭ ‬ومسؤولي‭ ‬دول‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شخصيتين‭ ‬حظيتا‭ ‬بالاهتمام‭ ‬الأكبر‭ ‬والأوفر‭ ‬واختطفتا‭ ‬الأضواء؛‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬رئيس‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والرئيس‭ ‬الكوبي‭ ‬فيدل‭ ‬كاسترو‭.‬

كاسترو‭ ‬كان‭ ‬أبرز‭ ‬وألمع‭ ‬الحاضرين‭ ‬دون‭ ‬منازع،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬حضور‭ ‬لافت‭ ‬مميز‭ ‬بقامته‭ ‬الطويلة‭ ‬وكثافة‭ ‬شعر‭ ‬لحيته‭ ‬والسيجار‭ ‬الكوبي‭ ‬المشهور‭ ‬الذي‭ ‬بالكاد‭ ‬كان‭ ‬يفارق‭ ‬فمه‭.‬

والمعروف‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬المستعمرين‭ ‬الأسبان‭ ‬الذين‭ ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬أميركا‭ ‬الجنوبية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬قرون‭ ‬جلبوا‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬ولغتهم‭ ‬الإسبانية‭ ‬وثقافتهم‭ ‬وتقاليدهم،‭ ‬ومنها‭ ‬“القيلولة”‭ ‬التي‭ ‬يسمونها‭ ‬“السياستا”‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬للراحة‭ ‬عند‭ ‬الظهيرة‭ ‬بين‭ ‬ساعات‭ ‬العمل،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬الأسبان‭ ‬بدورهم‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬اكتسبوا‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬عندما‭ ‬حكموا‭ ‬أسبانيا‭ ‬لقرابة‭ ‬700‭ ‬سنة‭. ‬

كما‭ ‬نقل‭ ‬المستعمرون‭ ‬الأسبان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬إسباني‭ ‬لهذه‭ ‬المستعمرات،‭ ‬ومنهم‭ ‬والد‭ ‬فيدل‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭ ‬عاملا‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬يملك‭ ‬مزرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬لقصب‭ ‬السكر،‭ ‬وأنجب‭ ‬أول‭ ‬أبنائه‭ (‬فيدل‭) ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬بخادمته‭ ‬التي‭ ‬تزوجها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬وأنجب‭ ‬منها‭ ‬الأخوين‭ ‬الآخرين‭ ‬لفيدل‭ ‬أحدهما‭ ‬راؤول‭ ‬كاسترو‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬لكوبا‭.‬

في‭ ‬فترة‭ ‬القيلولة‭ ‬وعندما‭ ‬توجه‭ ‬زملائي‭ ‬في‭ ‬الوفد‭ ‬للراحة‭ ‬استوقفني‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الردهات‭ ‬بمقر‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬مشهد‭ ‬كاسترو‭ ‬جالسًا‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الكوبيين‭ ‬محاطًا‭ ‬بعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬ورجال‭ ‬الإعلام‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬باللقاء‭ ‬أو‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصحافي،‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬صامتًا‭ ‬يستمع‭ ‬بإصغاء‭ ‬وتركيز‭ ‬لما‭ ‬يقوله‭ ‬الرئيس،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬كاسترو‭ ‬متحدثًا‭ ‬لبقًا‭ ‬وخطيبًا‭ ‬قادرًا‭ ‬مفوهًا‭ ‬عرف‭ ‬بخطبه‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬يمتد‭ ‬لساعات،‭ ‬مع‭ ‬تمكن‭ ‬شخصيته‭ ‬الجذابة‭ ‬وأسلوبه‭ ‬المميز‭ ‬في‭ ‬الخطابة‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬عددهم‭ ‬واختطاف‭ ‬اهتمامهم‭ ‬وانتباههم‭.‬

وعندما‭ ‬وجدت‭ ‬مجالًا‭ ‬انضممت‭ ‬إلى‭ ‬المجموعة‭ ‬وأخذت‭ ‬أدون‭ ‬ما‭ ‬يقوله،‭ ‬وكان‭ ‬كاسترو‭ ‬مسترسلًا‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬باللغة‭ ‬الإسبانية‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬مترجم‭ ‬فوري‭ ‬يترجم‭ ‬للغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬

كان‭ ‬كاسترو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬مقاومة‭ ‬بلاده‭ ‬وصمودها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحصار‭ ‬والاعتداءات‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬بلاده،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬خونة‭ ‬وانهزاميين‭ ‬وضعفاء‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬تتخلص‭ ‬منهم؟

قال‭ ‬كاسترو‭ ‬إن‭ ‬أميركا‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬بإحكام‭ ‬الحصار‭ ‬حولنا‭ ‬ومحاولة‭ ‬غزو‭ ‬أراضينا،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ظلت‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬اقتصادنا‭ ‬وزعزعة‭ ‬استقرارنا،‭ ‬وكانت‭ ‬المخابرات‭ ‬الأميركية‭ ‬تجند‭ ‬العملاء‭ ‬والجواسيس‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكوبيين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وشكلت‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ‭ ‬“جيش‭ ‬كوبا‭ ‬الحر”‭ ‬بنية‭ ‬إعداده‭ ‬وإرساله‭ ‬إلى‭ ‬كوبا‭ ‬للإطاحة‭ ‬بالحكم‭ ‬الشيوعي‭ ‬فيها،‭ ‬ما‭ ‬اضطر‭ ‬كوبا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1970‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬يمنع‭ ‬الكوبيين‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تجندهم‭ ‬المخابرات‭ ‬الأميركية‭.‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬وبعد‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1980،‭ ‬وبهدف‭ ‬زعزعة‭ ‬وإحراج‭ ‬الحكومة‭ ‬الكوبية‭ ‬أصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جيمي‭ ‬كارتر‭ ‬تصريحًا‭ ‬موجهًا‭ ‬لجميع‭ ‬الكوبيين‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬استعداد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاستقبال‭ ‬واستضافة‭ ‬أي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكوبيين‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬والذين‭ ‬سيحصلون‭ ‬على‭ ‬مرتبات‭ ‬مجزية‭ ‬وسكن‭ ‬مجاني‭.‬

قال‭ ‬كاسترو‭ ‬إن‭ ‬كارتر‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬إلى‭ ‬استقطاب‭ ‬عناصر‭ ‬كوبية‭ ‬جديدة‭ ‬لضمها‭ ‬إلى‭ ‬المعارضين‭ ‬الكوبيين‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وظن‭ ‬أننا‭ ‬سنصاب‭ ‬بالهلع‭ ‬والذعر‭ ‬والخوف‭.‬

وأثناء‭ ‬أحاديثه‭ ‬وخطبه‭ ‬كان‭ ‬كاسترو‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬التعبير‭ ‬لتوصيل‭ ‬أفكاره‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تقاسيم‭ ‬وجهه‭ ‬وحاجبي‭ ‬عينيه‭ ‬الكثيفين‭ ‬وحركات‭ ‬يديه‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬شد‭ ‬الانتباه،‭ ‬لإقناع‭ ‬من‭ ‬يخاطبهم‭ ‬بما‭ ‬يقول‭.‬

أضاف‭ ‬كاسترو‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬إعلان‭ ‬كارتر‭ ‬سارع‭ ‬بعقد‭ ‬اجتماع‭ ‬طارئ‭ ‬لحكومته‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬تجهيز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬قارب‭ ‬بين‭ ‬كبير‭ ‬وصغير‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬هافانا‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن،‭ ‬“وأعلنت‭ ‬للكوبيين‭ ‬أن‭ ‬القوارب‭ ‬جاهزة‭ ‬فمن‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬لأميركا‭ ‬فليذهب”،‭ ‬فاحتشد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬125‭ ‬ألف‭ ‬كوبي‭ ‬أبحرت‭ ‬بهم‭ ‬القوارب‭ ‬متجهة‭ ‬إلى‭ ‬ميامي‭ ‬بولاية‭ ‬فلوريدا‭.‬

ضحك‭ ‬كاسترو‭ ‬وقال‭: ‬تفاجأ‭ ‬الأميركيون‭ ‬واندهش‭ ‬كارتر‭ ‬عندما‭ ‬شاهدوا‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬القوارب‭ ‬تشق‭ ‬عباب‭ ‬البحر‭ ‬محملة‭ ‬بالآلاف‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬متجهة‭ ‬إلى‭ ‬ميامي،‭ ‬فبادروا‭ ‬بإرسال‭ ‬سفنهم‭ ‬الحربية‭ ‬لاعتراض‭ ‬القوارب‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬ميامي‭.‬

رفضت‭ ‬أميركا‭ ‬استقبالهم‭ ‬وحاصرتهم‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬لأسابيع،‭ ‬وشاهد‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬المغرر‭ ‬بهم،‭ ‬مات‭ ‬منهم‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬العشرات‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬والمرضى‭ ‬والنساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬أميركا‭ ‬مقاومة‭ ‬الضغوط‭ ‬العالمية‭ ‬واضطرت‭ ‬إلى‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬ملاجئ‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬جوانتانامو‭.‬

قال‭ ‬كاسترو‭: ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬تركت‭ ‬أثرًا‭ ‬طيبًا‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬كوبا،‭ ‬فبعدها‭ ‬توقف‭ ‬أو‭ ‬انخفض‭ ‬كثيرًا‭ ‬عدد‭ ‬الكوبيين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬أميركا،‭ ‬وتخلص‭ ‬مجتمعنا‭ ‬من‭ ‬“الديدان”‭ (‬worms‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد،‭ ‬“وطورنا‭ ‬التعليم‭ ‬والخدمات‭ ‬الطبية‭ ‬وانتعش‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وتعلم‭ ‬الكوبيون‭ ‬كما‭ ‬تعلم‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الأميركان‭ ‬أو‭ ‬قبول‭ ‬دعوتهم‭ ‬للضيافة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأميركان‭ ‬تعلموا‭ ‬ألا‭ ‬يوجهوا‭ ‬دعوات‭ ‬مماثلة،‭ ‬وخسر‭ ‬كارتر‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الإعادة‭ ‬للرئاسة‭ ‬أمام‭ ‬الرئيس‭ ‬الجمهوري‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬الذي‭ ‬انتقد‭ ‬تصريح‭ ‬كارتر‭ ‬قائلًا‭: ‬لو‭ ‬بقي‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرون‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬لسقط‭ ‬كاستر‭. ‬

ثم‭ ‬قال‭ ‬“كلاهما‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كانا‭ ‬مخطئين،‭ ‬والأميركان‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بحرية‭ ‬الشعوب‭ ‬ولا‭ ‬بمبدأ‭ ‬الندية‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬هم‭ ‬الأقوى،‭ ‬وهم‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬وهم‭ ‬المسيطرون‭ ‬الذين‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬مصائر‭ ‬الشعوب‭ ‬ومستقبلها”،‭ ‬وأضاف‭ ‬“عندما‭ ‬زرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1959‭ ‬عارضًا‭ ‬الصداقة‭ ‬ومبدأ‭ ‬حسن‭ ‬الجوار،‭ ‬طلبوا‭ ‬مني‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬والاستغلال‭ ‬الأميركي‭ ‬لاقتصادنا،‭ ‬وأن‭ ‬أطبق‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬نظامهم‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬بلادي‭ ‬والذي‭ ‬يسمونه‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬فرفضت‭ ‬ذلك‭ ‬وأجبت‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬ووضوح‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬الكوبي‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تفرز‭ ‬عادة‭ ‬قادة‭ ‬فاسدين”‭.‬

واستدار‭ ‬ليعود‭ ‬إلى‭ ‬البداية‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬هروب‭ ‬ديكتاتور‭ ‬كوبا‭ ‬السابق‭ ‬الرئيس‭ ‬باتيستا‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬ببداية‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬هافانا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1959،‭ ‬ثم‭ ‬توجه‭ ‬للمطار‭ ‬هاربًا‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مصطحبًا‭ ‬معه‭ ‬180‭ ‬شخصًا‭ ‬من‭ ‬أتباعه‭ ‬وأعوانه‭ ‬و100‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬نقدًا،‭ ‬عندها‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬لضيق‭ ‬الوقت‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الجلوس‭ ‬ومتابعة‭ ‬حديثه‭ ‬الممتع‭ ‬الشيق،‭ ‬وغادرت‭ ‬المكان‭.‬