كؤوس الهزائم

| فلاح هادي الجنابي

لفتت‭ ‬انتفاضة‭ ‬15‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬2019،‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬وتداعيات‭ ‬متباينة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الملالي،‭ ‬أنظار‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لأنها‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬النظام‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الذهول‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬للسرعة‭ ‬الفائقة‭ ‬في‭ ‬امتدادها‭ ‬وتوسعها‭ ‬داخليا‭ ‬وللأصداء‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬منظمة‭ ‬مجاهدي‭ ‬خلق‭ - ‬والمقاومة‭ ‬الإيرانية‭ - ‬مصدرا‭ ‬أساسيا‭ ‬للمعلومات‭ ‬بخصوص‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ويجري‭ ‬داخل‭ ‬إيڕان‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذه‭ ‬الانتفاضة‭.‬

في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬الانتفاضة،‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬ترقب‭ ‬قاتلة‭ ‬وكانت‭ ‬أجهزته‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التأهب‭ ‬والاستنفار،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قادة‭ ‬النظام‭ ‬نفسهم‭ ‬كانوا‭ ‬يحذرون‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الانتفاضة‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬ويعلنون‭ ‬عن‭ ‬تخوفهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬منظمة‭ ‬مجاهدي‭ ‬خلق‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬فيها،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬لفت‭ ‬النظر‭ ‬كثيرا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الاحتياطات‭ ‬الأمنية‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توقع‭ ‬النظام‭ ‬الانتفاضة‭ ‬ضده،‭ ‬لكنه‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬أصابه‭ ‬ذهول‭ ‬صاعق‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬انتفاضة‭ ‬15‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬2019،‭ ‬كانت‭ ‬حصيلة‭ ‬التراكم‭ ‬الكمي‭ ‬للاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬ونشاطات‭ ‬معاقل‭ ‬الانتفاضة‭ ‬لأنصار‭ ‬مجاهدي‭ ‬خلق‭ ‬ومجالس‭ ‬المقاومة‭ ‬وتوحدها‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬وسياق‭ ‬واحد‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭. ‬سبب‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬انتفاضة‭ ‬28‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭ ‬2017،‭ ‬انتشرت‭ ‬وامتدت‭ ‬وخلال‭ ‬أسبوعين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬160‭ ‬مدينة،‭ ‬لكن‭ ‬انتفاضة‭ ‬15‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬2019،‭ ‬امتدت‭ ‬وانتشرت‭ ‬إلى‭ ‬191‭ ‬مدينة‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للانتفاضة‭. ‬أيضا‭ ‬عدم‭ ‬تمكن‭ ‬الملا‭ ‬خامنئي‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬الصمت‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬يوما،‭ ‬بل‭ ‬بادر‭ ‬للظهور‭ ‬منذ‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬وأطلق‭ ‬تصريحات‭ ‬هستيرية‭ ‬ضد‭ ‬المنتفضين‭. ‬

ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬أيضا‭: ‬الانتفاضة‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬توجه‭ ‬سياسي‭ ‬ـ‭ ‬فكري‭ ‬واضح‭ ‬المعالم‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬وإحداث‭ ‬تغيير‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬رحب‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬بالانتفاضة‭ ‬ورأى‭ ‬فيها‭ ‬تطورا‭ ‬طبيعيا‭ ‬ومنطقيا‭ ‬لحكم‭ ‬قمعي‭ ‬استبدادي‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاما،‭ ‬ولجأ‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬أبشع‭ ‬الأساليب‭ ‬والطرق‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مواجهته‭ ‬وقمعه‭ ‬الانتفاضة‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬أثار‭ ‬غضبا‭ ‬واستياء‭ ‬دوليا‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬الملا‭ ‬خامنئي‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬والمجازر‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬أثناء‭ ‬الانتفاضة،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يهنأ‭ ‬ولم‭ ‬يشعر‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬لحد‭ ‬الآن،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬خوفه‭ ‬وذعره‭ ‬زاد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬آخر،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬صار‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬ومعنوياته‭ ‬ارتفعت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬آخر‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المطلب‭ ‬الأساسي‭ ‬للشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬قد‭ ‬تحدد‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام،‭ ‬ولا‭ ‬يرضى‭ ‬بأي‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فيما‭ ‬يقف‭ ‬الملا‭ ‬خامنئي‭ ‬حائرا‭ ‬محبطا‭ ‬وهو‭ ‬يتجرع‭ ‬كؤوس‭ ‬هزائم‭ ‬نظامه‭. ‬“الحوار”‭.‬