تركيا واستراتيجية صنع الأزمات (2)

| سالم الكتبي

رغم‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬أردوغان‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬بها،‭ ‬فإنها‭ ‬أفرزت‭ ‬أجواء‭ ‬غير‭ ‬جيدة‭ ‬للرئاسة‭ ‬التونسية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتلمس‭ ‬خطاها‭ ‬وترسم‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬خارجياً،‭ ‬حيث‭ ‬بدت‭ ‬الزيارة‭ ‬للبعض‭ ‬وكأنها‭ ‬اصطفاف‭ ‬تونسي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المحور‭ ‬التركي‭ ‬المعروف‭ ‬بعدائه‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬وتدخلاته‭ ‬الاستفزازية‭ ‬السافرة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬بادرت‭ ‬الرئاسة‭ ‬التونسية‭ ‬بالنأي‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬أية‭ ‬تفسيرات‭ ‬غير‭ ‬دقيقة‭ ‬للزيارة‭ ‬وقالت‭ ‬الرئاسة‭ ‬التونسية‭ ‬إن‭ ‬البلاد‭ ‬“لن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬المحاور”‭. ‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أردوغان‭ ‬يلعب‭ ‬لعبة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الخطورة‭ ‬إقليمياً،‭ ‬وتنذر‭ ‬تصرفاته‭ ‬المتهورة‭ ‬بإشعال‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬تأثيراته‭ ‬ولا‭ ‬امتداداته،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬قامت‭ ‬بنقل‭ ‬آلاف‭ ‬الإرهابيين‭ ‬من‭ ‬إدلب‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬وجودهم‭ ‬قرب‭ ‬الحدود‭ ‬التركية،‭ ‬بدعوى‭ ‬دعم‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬

اللافت‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬أردوغان‭ ‬يغامر‭ ‬بتشتيت‭ ‬قوة‭ ‬بلاده‭ ‬وتدمير‭ ‬اقتصادها‭ ‬لأنه‭ ‬يدرك‭ ‬تماماً‭ ‬خطورة‭ ‬تدخله‭ ‬عسكرياً‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وأنه‭ ‬سيواجه‭ ‬رفضا‭ ‬روسيا‭ ‬ـ‭ ‬أميركيا‭ ‬ـ‭ ‬أوروبيا،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬مصر‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬لهذا‭ ‬التدخل‭ ‬السافر،‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬استهانة‭ ‬أردوغان‭ ‬بالإرادة‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬ويضرب‭ ‬بمتطلبات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭. ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬أردوغان‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬سيكون‭ ‬المسمار‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬عرش‭ ‬طموحاته‭ ‬السلطانية‭ ‬ومغامراته‭ ‬الإقليمية،‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬غير‭ ‬سعيدة‭ ‬بالمرة،‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬انشقاقات‭ ‬القادة‭ ‬الزعماء‭ ‬الكبار‭ ‬للحزب‭ ‬اعتراضاً‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬أردوغان،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬مُني‭ ‬بها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وتدهور‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬جراء‭ ‬الصراعات‭ ‬“الدونكيشوتية”،‭ ‬التي‭ ‬يفتعلها‭ ‬أردوغان‭.‬

يغامر‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬بمصالح‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الانتصار‭ ‬لأجندته‭ ‬الشخصية‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬تنظيم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬الإرهابي‭ ‬الذي‭ ‬تتشكل‭ ‬منه‭ ‬حكومة‭ ‬السراج،‭ ‬ومناكفة‭ ‬مصر‭ ‬وخلق‭ ‬المشاكل‭ ‬في‭ ‬جوارها‭ ‬الإقليمي،‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬مزاعم‭ ‬غريبة‭ ‬مثل‭ ‬حماية‭ ‬مواطنين‭ ‬ليبيين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬تركية‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يضرب‭ ‬بكل‭ ‬المبادئ‭ ‬والأعراف‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭! ‬والتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬سيكون‭ ‬مغامرة‭ ‬طائشة‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬والحسابات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وآثاره‭ ‬الكارثية‭ ‬لن‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬التركي‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬ستطال‭ ‬ليبيا،‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬وربما‭ ‬تنتقل‭ ‬ألسنة‭ ‬اللهب‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬ودول‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬لجم‭ ‬جموح‭ ‬السلطان‭ ‬التركي‭ ‬ووقف‭ ‬مخططه‭ ‬المدمر‭ ‬للتدخل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭. ‬“إيلاف”‭.‬