تركيا واستراتيجية صنع الأزمات (1)

| سالم الكتبي

ربما‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬حققت‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬والنجاح‭ ‬لاسيما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬لكن‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬شهدت،‭ ‬ولا‭ ‬تزال،‭ ‬نزيفاً‭ ‬مستمراً‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬والضربات‭ ‬التي‭ ‬قوضت،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النجاحات‭ ‬والإنجازات‭ ‬وتحولت‭ ‬تركيا‭ ‬بفعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نموذج‭ ‬و”حلم”‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدراما‭ ‬واللاواقع،‭ ‬إلى‭ ‬مثال‭ ‬ونموذج‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬تماماً،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الذات‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬إلى‭ ‬الفشل،‭ ‬ومن‭ ‬حصد‭ ‬الإعجابات‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬للكراهية‭ ‬والتفتيت‭ ‬والانقسامات‭. ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬أو‭ ‬أسرار‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬السلبي‭ ‬والتدهور‭ ‬الخطير‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬التركية،‭ ‬التحول‭ ‬الحاصل‭ ‬سياسياً‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬الكثير‭ ‬بفعل‭ ‬سياسة‭ ‬“صفر‭ ‬مشكلات”‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينتهجها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأسبق‭ ‬داود‭ ‬أوغلو،‭ ‬مهندس‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للبلاد‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مراحلها‭ ‬التاريخية،‭ ‬وهي‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬انقلب‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬صاحبها‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬حين‭ ‬حشد‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والسلطات‭ ‬وجمعها‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬عبر‭ ‬تعديل‭ ‬دستوري‭ ‬أعاد‭ ‬فيه‭ ‬تغيير‭ ‬الشكل‭ ‬الدستوري‭ ‬والسياسي‭ ‬للدولة‭ ‬التركية‭ ‬لمجرد‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬لسنوات‭ ‬أطول‭! ‬انتقلت‭ ‬تركيا‭ ‬الأردوغانية‭ ‬العثمانية‭ ‬بعد‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬أوغلو‭ ‬من‭ ‬“صفر‭ ‬مشاكل”‭ ‬إلى‭ ‬“أم‭ ‬المشاكل”‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬صانعة‭ ‬للأزمات‭ ‬ومصدر‭ ‬الإزعاج‭ ‬والتوترات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وافتعلت‭ ‬صراعات‭ ‬وكوارث‭ ‬وخلافات‭ ‬مدمرة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬التركي‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬كبرى‭ ‬كالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وقامت‭ ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وهاهي‭ ‬تستعد‭ ‬للتدخل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بدعوى‭ ‬دعم‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬التي‭ ‬يتزعمها‭ ‬فايز‭ ‬السراج‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي‭ ‬بقيادة‭ ‬الجنرال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭. ‬يحاول‭ ‬الرئيس‭ ‬جاهداً‭ ‬شق‭ ‬الصف‭ ‬العربي‭ ‬وتعميق‭ ‬الخلافات‭ ‬العربية‭ ‬ـ‭ ‬العربية،‭ ‬واستغلال‭ ‬أية‭ ‬ظروف‭ ‬أو‭ ‬ثغرة‭ ‬في‭ ‬جدار‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توظيفها‭ ‬لمصلحة‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬وأحلامه‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬مجد‭ ‬الأجداد‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬الأزمات‭ ‬والظروف‭ ‬والمعطيات‭ ‬كافة‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬قام‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬مؤخراً‭ ‬بزيارة‭ ‬لافتة‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬يرافقه‭ ‬وفد‭ ‬ضم‭ ‬وزيري‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع‭ ‬وقادة‭ ‬المخابرات‭ ‬التركية،‭ ‬وكان‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬حاضراً‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬المحادثات‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬التونسي‭ ‬الجديد‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬دعماً‭ ‬واضحاً‭ ‬للمسعى‭ ‬التركي‭ ‬تجاه‭ ‬ليبيا،‭ ‬ولكن‭ ‬أردوغان‭ ‬استغل‭ ‬فرصة‭ ‬وجوده‭ ‬قرب‭ ‬الحدود‭ ‬الليبية‭ ‬ليعلن‭ ‬أنه‭ ‬سيلبي‭ ‬طلب‭ ‬حكومة‭ ‬طرابس‭ ‬بإرسال‭ ‬قوات‭ ‬تركية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تدخل‭ ‬عسكري‭ ‬تركي‭ ‬رسمي‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬البرلمان‭ ‬التركي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬“إيلاف”‭.‬