وَخْـزَةُ حُب

“خلّ ذكاءك ينفعك”!

| د. زهرة حرم

تعالوا‭ ‬معي‭ ‬نرجع‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬البسيطة‭ ‬حول‭ ‬تعريف‭ ‬الذكاء،‭ ‬والتي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬طفولتنا‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬غالبًا؛‭ ‬فنحن‭ ‬كنا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬المتفوقين‭ ‬دراسيًا؛‭ ‬بوصفهم‭ ‬أبطال‭ ‬الذكاء،‭ ‬وعباقرة‭ ‬لا‭ ‬قدرة‭ ‬لنا‭ ‬على‭ ‬مجاراتهم‭! ‬ويعزز‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬نظرةُ‭ ‬آبائنا‭ ‬نحوهم؛‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬“نماشيهم”؛‭ ‬أي‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬صداقتهم،‭ ‬ومجاورتهم،‭ ‬والتمسك‭ ‬بهم‭! ‬فهُم‭ ‬غنائم‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬ساقها‭ ‬الله‭ ‬لنا؛‭ ‬لنتعلم‭ ‬منهم،‭ ‬ونحذوا‭ ‬حذوهم،‭ ‬ونقلّدهم‭! ‬علّ‭ ‬وعسى‭ ‬أن‭ ‬يصيبونا‭ ‬بعدوى‭ ‬ذكائهم،‭ ‬ويا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬عدوى‭! ‬

فإنْ‭ ‬كنتَ‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬المتفوقين‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية‭ ‬الأولى؛‭ ‬فاعلم‭ ‬أنك‭ ‬–‭ ‬كنتَ‭ ‬حينها‭ - ‬بين‭ ‬أقرانك،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬مدرسيك،‭ ‬والمجتمع‭ ‬بأسره؛‭ ‬عبقري‭ ‬زمانك‭! ‬ألم‭ ‬ترَ‭ ‬كيف‭ ‬احتفوا‭ ‬بك،‭ ‬وأقاموا‭ ‬لك‭ ‬الاحتفالات،‭ ‬وقلّدوك‭ ‬الأوسمة‭ ‬والشهادات؟‭ ‬ولو‭ ‬حصل‭ ‬وتدنّت‭ ‬درجاتك‭ ‬العلمية‭ ‬أو‭ ‬انخفضت‭ ‬لأسباب‭ ‬أو‭ ‬لأخرى،‭ ‬وخَرجتَ‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬المتفوقين،‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬التالية؛‭ ‬اِعلمْ‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬سينظرون‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭: ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬عقلك‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬المعلومات‭ ‬الجديدة‭ ‬الأكثر‭ ‬تعقيدا،‭ ‬وأن‭ ‬ذكاءك‭ ‬ليس‭ ‬بالمستوى‭ ‬المطلوب‭! ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تحيدُ‭ ‬الأنظار‭ ‬عنك،‭ ‬وتتوجه‭ ‬الكاميرات‭ ‬لغيرك‭! ‬هناك‭ ‬خط‭ ‬رفيع‭ ‬بين‭ ‬التفوق‭ ‬الدراسي‭ ‬والذكاء،‭ ‬لا‭ ‬تلتفت‭ ‬إليه‭ ‬الغالبية‭ ‬منا؛‭ ‬فنحن‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬التفوق‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬خطٍ‭ ‬مُوازٍ‭ ‬للذكاء،‭ ‬وأنه‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬التشكيك‭ ‬على‭ ‬ذكاء‭ ‬الشخص؛‭ ‬فنوّلد‭ ‬الأحكام‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ - ‬ومنهم‭ ‬أبناؤنا‭ - ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭! ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬مغالطة‭ ‬يجب‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭ ‬وتصحيحها،‭ ‬فلا‭ ‬العلامات‭ ‬النهائية‭ ‬دليل‭ ‬ذكاء،‭ ‬ولا‭ ‬تدنيّ‭ ‬الدرجات‭ ‬برهان‭ ‬تأخر‭ ‬عقلي‭! ‬التفوق‭ ‬مرهون‭ ‬بصفة‭ (‬لازمة‭ ‬وضرورية‭)‬،‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬الذكاء؛‭ ‬فهو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬بدرجة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬زاد‭ ‬أو‭ ‬قَصُر‭! ‬التفوق‭ ‬حصيلةٌ‭ ‬أو‭ ‬نتيجةٌ‭ ‬لعاملٍ‭ ‬مهمٍ‭ ‬للغاية‭ ‬هو‭ (‬الاهتمام‭)!‬

يُعلمنا‭ ‬الانتقال‭ ‬بين‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية‭ ‬أو‭ ‬الدراسية،‭ ‬مفهومًا‭ ‬أكثر‭ ‬نُضجًا‭ ‬عن‭ ‬الذكاء،‭ ‬وأنواعه؛‭ ‬الفطري‭ ‬منه‭ ‬والمكتسب‭! ‬وعبر‭ ‬السنوات،‭ ‬نتعلم‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬كامنٌ‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬الفرص،‭ ‬والتمسك‭ ‬بها،‭ ‬والتركيز‭ ‬عليها،‭ ‬وتوجيه‭ ‬مزيدٍ‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم؛‭ ‬التفوق‭! ‬ولذلك‭ ‬فالتفوق‭ ‬هو‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬للاهتمام،‭ ‬بل‭ (‬إرادة‭ ‬الاهتمام‭)‬؛‭ ‬فإن‭ ‬كنت‭ ‬مهتمًا‭ ‬بما‭ ‬يكفي؛‭ ‬فأنت‭ ‬متفوق‭ ‬كما‭ ‬يجب‭! ‬أما‭ ‬مستوى‭ ‬ذكائك‭ ‬فهذا‭ ‬شأن‭ ‬آخر‭!‬

لو‭ ‬قُدّر‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نكشف‭ ‬عن‭ ‬مستويات‭ ‬أو‭ ‬مؤشرات‭ ‬الذكاء‭ ‬لدينا؛‭ ‬لأصابنا‭ ‬العجب؛‭ ‬فبعض‭ ‬من‭ ‬يمسح‭ ‬“الأرضيات”‭ ‬ربما‭ ‬أرفع‭ ‬ذكاءً‭! ‬لكن‭! ‬ما‭ ‬نفع‭ ‬ذكاءٍ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تشغيل‭! ‬وما‭ ‬نفع‭ ‬عقل‭ ‬ليس‭ ‬لصاحبه‭ ‬الرغبة‭ ‬والإرادة‭ ‬المطلوبة‭ ‬لاستثمار‭ ‬طاقاته؟‭ ‬تُعلمنا‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬أن‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬الاهتمام،‭ ‬وأن‭ ‬الإهمال‭ ‬عدو‭ ‬الذكاء،‭ ‬والذكيّ‭ ‬الحقيقيّ‭ ‬–‭ ‬اليوم‭ - ‬هو‭ ‬من‭ ‬يهتم‭!.‬