ريشة في الهواء

عام جديد وإنسان جديد

| أحمد جمعة

شمس‭ ‬السنة‭ ‬الجديدة‭ ‬تشرق‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الساعات‭ ‬والحياة‭ ‬راكدة،‭ ‬والوضع‭ ‬الثقافي‭ ‬نائم،‭ ‬وكذلك‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬ساكنة،‭ ‬لا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬فعاليات‭ ‬روتينية،‭ ‬مكررة‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬أنشطة‭ ‬معتادة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬أتحدث‭ ‬متى‭ ‬تحدث‭ ‬قفزة‭ ‬أسطورية،‭ ‬نقفز‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬تقليدي‭ ‬اعتدنا‭ ‬عليه،‭ ‬إلى‭ ‬طفرة‭ ‬خيالية‭ ‬تفجر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بداخل‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬إبداعات‭ ‬وطاقات‭ ‬ونصبح‭ ‬مثل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بالقرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬تجارة‭ ‬عالمية‭ ‬وسياحة‭ ‬عالمية،‭ ‬ورياضة‭ ‬دولية‭ ‬وثقافة‭ ‬كونية،‭ ‬تترجم‭ ‬إبداعاتنا‭ ‬وتتوزع‭ ‬بأنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬نتلقى‭ ‬نحن‭ ‬بدورنا‭ ‬إبداعات‭ ‬العالم‭ ‬ونذهل‭ ‬بها‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬بمستواها‭.‬

أعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬من‭ ‬يضحك‭ ‬ويقهقه‭ ‬ويدهش‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التمني؟‭ ‬لكن‭ ‬لماذا؟‭ ‬هل‭ ‬كوريا‭ ‬أفضل‭ ‬منا؟‭ ‬هل‭ ‬إسبانيا‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬السينما‭ ‬فيها‭ ‬تغزو‭ ‬أميركا‭ ‬أفضل‭ ‬منا؟‭ ‬ألم‭ ‬تكن‭ ‬عربية‭ ‬عندما‭ ‬عزوناها‭ ‬واستعمرناها؟‭! ‬إذا‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نحلم‭ ‬بكسر‭ ‬القيود‭ ‬والحواجز‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬العالمية؟‭ ‬وتكرسنا‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬بمستوى‭ ‬تقليدي‭ ‬وروتني،‭ ‬العقول‭ ‬نفس‭ ‬العقول،‭ ‬إذا‭ ‬أين‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬القفز‭ ‬من‭ ‬خندق‭ ‬الركود‭ ‬والروتين‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬الكون‭ ‬وإطلاق‭ ‬جني‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬ليخرج‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬وعلوم‭ ‬ورياضة‭ ‬وفن‭ ‬وتجارة‭ ‬وسياحة‭ ‬وصناعة؟‭!‬

سنة‭ ‬أخرى‭ ‬تذهب‭ ‬وسنة‭ ‬أخرى‭ ‬تأتي‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬السنة‭ ‬المنصرمة‭ ‬والسنة‭ ‬الآتية،‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬ونحن‭ ‬نحتفل‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬ونقول‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير،‭ ‬ونحن‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬بخير‭! ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نشهد‭ ‬قفزات‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والفن‭ ‬والسياحة؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نبدأ‭ ‬الاتكال‭ ‬على‭ ‬كفاءاتنا‭ ‬البشرية‭ ‬وطاقاتنا‭ ‬الخلاقة‭! ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬نصبح‭ ‬مثل‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬صحوا‭ ‬فجأة‭ ‬وقرروا‭ ‬أن‭ ‬يتحولوا‭ ‬إلى‭ ‬شعوب‭ ‬ودول‭ ‬منتجة‭ ‬لكل‭ ‬شيء،‭ ‬فالرياضة‭ ‬صناعة،‭ ‬مباراة‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬ريال‭ ‬مدريد‭ ‬وبرشلونة‭ ‬يقف‭ ‬لها‭ ‬شعر‭ ‬رأس‭ ‬العالم،‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬أميركي‭ ‬إيراداته‭ ‬تفوق‭ ‬إيرادات‭ ‬دولة‭! ‬مبنى‭ ‬أثري‭ ‬مثل‭ ‬كنيسة‭ ‬تاريخية‭ ‬بإيطاليا‭ ‬دخلها‭ ‬السنوي‭ ‬من‭ ‬السياحة‭ ‬يفوق‭ ‬دخل‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بقية‭ ‬القطاعات‭.‬

أعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬سيقول،‭ ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬أحمد‭ ‬جمعة‭ ‬بمقاله‭ ‬هذا؟‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأعوام‭ ‬التي‭ ‬يتلو‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬الآخر،‭ ‬والزمن‭ ‬يطوينا،‭ ‬متى‭ ‬نصحوا‭ ‬ونتغير‭ ‬ونحقق‭ ‬ما‭ ‬تحققه‭ ‬شعوب‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم،‭ ‬بماذا‭ ‬هم‭ ‬أفضل‭ ‬منا؟

لقد‭ ‬حرروا‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬السياسة،‭ ‬وحرروا‭ ‬العقول‭ ‬من‭ ‬الخرافة،‭ ‬وأطلقوا‭ ‬الكفاءات‭ ‬تبتكر‭ ‬دون‭ ‬قيود،‭ ‬لم‭ ‬يهتموا‭ ‬بالثورات‭ ‬والسياسة‭ ‬والجدل‭ ‬العقيم،‭ ‬بل‭ ‬أشغلوا‭ ‬العقول‭ ‬بالعلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬ولم‭ ‬يضعوا‭ ‬قيودا‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬فأنتجوا‭ ‬حضارات،‭ ‬وفازوا‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬والرياضة‭ ‬والمسرح‭ ‬والسياحة‭ ‬والعلوم‭ ‬والطب‭.‬

اجعلوا‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬فرحة‭ ‬ورقصة‭ ‬وابتسامة‭ ‬وانفضوا‭ ‬غبار‭ ‬السياسة‭ ‬وتحرروا‭ ‬من‭ ‬التقليد‭ ‬والروتين‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭.‬

تنويرة‭: ‬العقل‭ ‬مفتاح‭ ‬الحياة،‭ ‬إن‭ ‬أضعته‭ ‬فحياتك‭ ‬مقفلة‭ ‬للأبد‭.‬