زبدة القول

جرباء القطيع... طريدة الحياض

| د. بثينة خليفة قاسم

بعد‭ ‬أن‭ ‬فرغت‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬عمودي‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإهمال‭ ‬أبنائها‭ ‬لها،‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬أية‭ ‬صدفة‭ ‬قادتني‭ ‬إلى‭ ‬اليوتيوب‭ ‬لأتفاجأ‭ ‬بمشهد‭ ‬لمذيع‭ ‬يمني‭ ‬صغير‭ ‬السن،‭ ‬غير‭ ‬معروف،‭ ‬يقدم‭ ‬برنامجه‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬رصينة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬رغم‭ ‬استخدام‭ ‬مفردات‭ ‬تراثية‭ ‬وصور‭ ‬شعرية‭ ‬قديمة‭ ‬وعبارات‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬الأطلال‭ ‬والبكاء‭ ‬لفراق‭ ‬الأحبة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الانحطاط‭ ‬السياسي،‭ ‬ورغم‭ ‬اختلاف‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ ‬التراثية‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬المذيع‭.‬

فماذا‭ ‬قال‭ ‬هذا‭ ‬المذيع‭ ‬الشاب‭ ‬بلغته‭ ‬العربية‭ ‬الجميلة‭ ‬وإلقائه‭ ‬الرائع؟‭ (‬الدوحة‭ ‬جرباء‭ ‬القطيع،‭ ‬طريدة‭ ‬الحياض،‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬حيها‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬ضاجعت‭ ‬عشيقها‭ ‬سفاحا،‭ ‬فلعنتها‭ ‬الجغرافيا‭ ‬وتقيأها‭ ‬التاريخ،‭ ‬واستباحها‭ ‬فتى‭ ‬تركيا‭ ‬يدين‭ ‬بفكر‭ ‬هجين‭ ‬بين‭ ‬العلمانية‭ ‬والعنصرية،‭ ‬منحته‭ ‬قلادة‭ ‬جيدها‭ ‬النحيل‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬عروبتها،‭ ‬ونست‭ ‬أو‭ ‬تناست‭ ‬أن‭ ‬الحرائر‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬النخاسة‭ ‬جواري‭ ‬وأن‭ ‬العنب‭ ‬خارج‭ ‬منابته‭ ‬تبن،‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬دوحة‭ ‬الحمدين‭ ‬تتحرك‭ ‬خلايا‭ ‬غرف‭ ‬الظلام‭ ‬لتدس‭ ‬في‭ ‬الأريج‭ ‬روائح‭ ‬الكير‭ ‬وتقدم‭ ‬دم‭ ‬إخوتها‭ ‬وقلاع‭ ‬أمتها‭ ‬قربانا‭ ‬لأسيادها،‭ ‬ذبحت‭ ‬طفلا‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬واستباحت‭ ‬عرض‭ ‬أختها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأكلت‭ ‬من‭ ‬أمعاء‭ ‬عمومتها‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وسرقت‭ ‬درج‭ ‬أهلها‭ ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬ثم‭ ‬جثت‭ ‬خاشعة‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬شيخ‭ ‬يقسم‭ ‬الفتوى‭ ‬على‭ ‬هواه‭ ‬ويلبس‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬أهدافه‭ ‬ويحمل‭ ‬راية‭ ‬الإسلام‭ ‬زورا‭. ‬لكن‭ ‬مهلا‭ ‬يا‭ ‬قطر،‭ ‬ليست‭ ‬كل‭ ‬المنازل‭ ‬رامة،‭ ‬ولا‭ ‬كل‭ ‬بيضاء‭ ‬الجبين‭ ‬عروب‭! ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬لماذا‭ ‬تنفضح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬خبايا‭ ‬الدوحة؟‭ ‬هل‭ ‬باعها‭ ‬الشريك؟‭ ‬أم‭ ‬سئمها‭ ‬الحليف؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬خزائن‭ ‬المال‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكفي‭ ‬لإرضاء‭ ‬الزعيم؟‭ ‬وماذا‭ ‬بعد‭ ‬الهوان‭ ‬من‭ ‬ذل؟‭ ‬مرحبا‭ ‬بكم‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬برنامح‭ ‬“بتوقيت‭ ‬عدن”‭).‬

هذه‭ ‬المقطوعة‭ ‬التي‭ ‬تلاها‭ ‬هذا‭ ‬المذيع‭ ‬الشاب،‭ ‬قدم‭ ‬فيها‭ ‬وصفا‭ ‬شاملا‭ ‬ونادرا‭ ‬للحالة‭ ‬القطرية‭ ‬العجيبة‭ ‬شد‭ ‬به‭ ‬آلافا‭ ‬من‭ ‬المشاهدين‭ ‬على‭ ‬اليوتيوب‭. ‬إنني‭ ‬شخصيا‭ ‬سأحتفظ‭ ‬بهذه‭ ‬المقدمة‭ ‬النادرة‭ ‬لأستند‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬حديثي‭ ‬عن‭ ‬الفصاحة‭ ‬والطلاقة‭ ‬وللتدليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬البلاغة‭ ‬مراعاة‭ ‬مقتضى‭ ‬الحال‭.‬