زبدة القول

اليوم العالمي للغة العربية

| د. بثينة خليفة قاسم

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬احتفل‭ ‬العالم‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬تم‭ ‬تخصيصه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭  ‬للاحتفال‭ ‬بها‭ ‬كلغة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأربع‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يتحدثها‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬حيث‭ ‬ينطق‭ ‬بها‭ ‬حوالي‭ ‬‮٤٥٠‬‭ ‬مليونا،‭ ‬وتستخدمها‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬من‭ ‬لغاتها‭ ‬المستخدمة‭.‬

ومما‭ ‬يؤسف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال‭ ‬مر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬به‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬صادف‭ ‬وجودهم‭ ‬ربما‭ ‬أمام‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز‭ ‬قراءة‭ ‬المذيع‭ ‬خبر‭ ‬احتفال‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بلغتهم‭ ‬التي‭ ‬أهملوها‭ ‬وأهانوها،‭ ‬وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬فالاحتفال‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬ليس‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يعيد‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬كرامتها‭ ‬واعتبارها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهميته،‭ ‬فالاحتفال‭ ‬يذكرنا‭ ‬فقط‭ ‬بعيوبنا‭ ‬وإهمالنا‭ ‬لغة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬التي‭ ‬يحتفي‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬ويسعى‭ ‬لتعلمها‭.‬

الاحتفال‭ ‬ليس‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يعيد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لأن‭ ‬الاحتفال‭ ‬مناسبة‭ ‬تمر‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وينتهي‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ونعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬إهمالها‭ ‬وعدم‭ ‬تحويل‭ ‬الندوات‭ ‬والخطب‭ ‬والمقالات‭ ‬التي‭ ‬تحتفي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬خطط‭ ‬وسياسات‭ ‬للنهوض‭ ‬بها‭ ‬وإيقاف‭ ‬تدهورها‭ ‬المخيف‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬أبنائها‭ ‬الذين‭ ‬يتكلمون‭ ‬بها‭ ‬ويكتبونها،‭ ‬ولولا‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬لتعرضت‭ ‬لضرر‭ ‬وإهمال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬سلم‭.‬

اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬قوية‭ ‬ويعود‭ ‬لها‭ ‬اعتبارها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬مجرد‭ ‬مادة‭ ‬مملة‭ ‬يقرأها‭ ‬الطلاب‭ ‬وهم‭ ‬كارهون‭ ‬لكي‭ ‬يدخلوا‭ ‬بها‭ ‬الامتحان‭ ‬ثم‭ ‬يتركونها،‭ ‬ولابد‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الاحترام‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومن‭ ‬يتحدثون‭ ‬بها‭ ‬وأولهم‭ ‬معلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬أصابه‭ ‬ما‭ ‬أصابه‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬والتهكم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الكثيرين‭.‬

لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تحدثا‭ ‬وكتابة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬المتطلعين‭ ‬للمناصب،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬المفاضلة‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الشهادات‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬الأداة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬للحكم‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الإنسان‭ ‬وقدرته‭ ‬وتميزه‭.‬

فهل‭ ‬سيأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬نرى‭ ‬فيه‭ ‬خطط‭ ‬النهوض‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والإعلام‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬واقعا‭ ‬ملموسا،‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬سنظل‭ ‬نحتفل‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بمقال‭ ‬أو‭ ‬ندوة‭ ‬ويبقى‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يزداد‭ ‬التدهور‭.‬