دردشة بشأن تقاعد الوزراء وكبار المسؤولين

| عبدالنبي الشعلة

صديق‭ ‬بريطاني‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬خبيرًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬“اصطياد‭ ‬الرؤوس”،‭ ‬وهي‭ ‬ترجمة‭ ‬حرفية‭ ‬لوظيفة‭ ‬“Head Hunting”‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬كبار‭ ‬المديرين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬المؤهلين‭ ‬لشغل‭ ‬وظائف‭ ‬ومناصب‭ ‬عليا‭ ‬في‭ ‬كبريات‭ ‬الشركات،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬إنه‭ ‬سيكون‭ ‬مشغولا‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬الاتصال‭ ‬بهذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬من‭ ‬الوزراء‭ ‬وأعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين،‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬وظائفهم‭ ‬ومراكزهم‭ ‬ومقاعدهم،‭ ‬أو‭ ‬انتهت‭ ‬مدة‭ ‬عضويتهم،‭ ‬أو‭ ‬خسروا،‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنهم‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬وأحرز‭ ‬فيها‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬انتصارًا‭ ‬ساحقًا،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬الحكومية‭ ‬الأخرى‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬الوزراء‭ ‬والبرلمانيين‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬ودول‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬مدتهم‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬العامة،‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الفضائح‭ ‬والجرائم،‭ ‬يتم‭ ‬الاتصال‭ ‬بهم‭ ‬وعرض‭ ‬وظائف‭ ‬عليا‭ ‬ومراكز‭ ‬قيادية‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاستشارية‭ ‬والبنوك‭ ‬وشركات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الأخرى؛‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬ونفوذهم‭ ‬وشبكات‭ ‬اتصالهم،‭ ‬ويتم‭ ‬دعوتهم‭ ‬عادة‭ ‬للانضمام‭ ‬لمجالس‭ ‬الإدارة‭ ‬أو‭ ‬رئاسة‭ ‬لجان‭ ‬أو‭ ‬تكليفهم‭ ‬بمهمات‭ ‬محددة‭ ‬تدخل‭ ‬غالبًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تخصصهم‭ ‬أو‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خبرتهم‭ ‬أو‭ ‬مكانتهم‭ ‬أو‭ ‬دوائر‭ ‬وحلقات‭ ‬اتصالهم،‭ ‬أو‭ ‬لاستخدام‭ ‬أسمائهم‭ ‬وشهرتهم‭ ‬لدعم‭ ‬برامج‭ ‬وأنشطة‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬للشركة،‭ ‬وقد‭ ‬عُرف‭ ‬عن‭ ‬مؤسسات‭ ‬التدقيق‭ ‬والاستشارات‭ ‬الأربع‭ ‬الكبرى‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬ضم‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬المنتهية‭ ‬خدمتهم‭ ‬أو‭ ‬المتقاعدين‭ ‬إلى‭ ‬أطقم‭ ‬كبار‭ ‬الخبراء‭ ‬والمستشارين‭ ‬فيها‭.‬

‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬فإن‭ ‬الوزير‭ ‬أو‭ ‬المسؤول‭ ‬الكبير‭ ‬فور‭ ‬تقلده‭ ‬مسؤولياته‭ ‬الرسمية‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬الإعداد‭ ‬والاستعداد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬المنصب،‭ ‬فتراه‭ ‬يدون‭ ‬ويسجل‭ ‬في‭ ‬مفكرته‭ ‬اليومية‭ ‬كل‭ ‬فعل‭ ‬فعله‭ ‬أو‭ ‬إنجاز‭ ‬حققه‭ ‬وكل‭ ‬مشاهداته‭ ‬وملاحظاته‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أيضًا‭ ‬يبدأ‭ ‬الرؤساء‭ ‬ورؤساء‭ ‬الوزراء‭ ‬والوزراء‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬السابقين،‭ ‬فور‭ ‬انتهاء‭ ‬مهامهم‭ ‬الرسمية‭ ‬بإلقاء‭ ‬المحاضرات‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬وكتابة‭ ‬المقالات‭ ‬والمذكرات‭ ‬وتأليف‭ ‬الكتب؛‭ ‬فتدر‭ ‬عليهم‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬أرباحًا‭ ‬ومداخيل‭ ‬مجزية‭ ‬يبلغ‭ ‬معدلها‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬ضعفًا‭ ‬للمرتبات‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتقاضونها‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬وظائفهم‭ ‬ومراكزهم‭ ‬الحكومية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬يستطيعون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬عطائهم‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬حضورهم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ونشاطهم‭ ‬الذهني‭.‬

وهناك‭ ‬هيئة‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬باسم‭ ‬“اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬للتوظيف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص”‭ (‬ACOBA‭) ‬تابعة‭ ‬لمجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬اختصاصها‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬التحاق‭ ‬الوزراء‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬بمؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مهامهم‭ ‬الرسمية،‭ ‬هذه‭ ‬الهيئة‭ ‬تبت‭ ‬في‭ ‬طلبات‭ ‬يبلغ‭ ‬معدلها‭ ‬150‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬طلب‭ ‬في‭ ‬العام‭.‬

‭ ‬وعندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬الرسمية‭ ‬كنت‭ ‬وراء‭ ‬دعوة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسبق‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬خسر‭ ‬سباق‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1993‭ ‬لصالح‭ ‬الرئيس‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بيل‭ ‬كلنتون؛‭ ‬وذلك‭ ‬لإلقاء‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1999،‭ ‬وقد‭ ‬انحصرت‭ ‬كلمته‭ ‬بالمؤتمر‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬أميركا‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1991‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التحرير‭ ‬وبعد‭ ‬7‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬مغادرته‭ ‬منصبه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬أو‭ ‬يكشف‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬ذكره‭ ‬ومعرفته‭ ‬ونشره‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وقد‭ ‬تقاضى‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬رسومًا‭ ‬أو‭ ‬أتعابًا‭ ‬عالية‭ ‬جدًا‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬حجمها،‭ ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬اللاحقة‭ ‬استمعت‭ ‬إلى‭ ‬كلمات‭ ‬ألقاها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬وأماكن‭ ‬مختلفة‭ ‬لم‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وربما‭ ‬تقاضى‭ ‬مقابلها‭ ‬أتعابا‭ ‬ورسوما‭ ‬تفوق‭ ‬ما‭ ‬تقاضاه‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬وبالمناسبة‭ ‬فإننا‭ ‬لما‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬سيلقيها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬السابق‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬طلبت‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬منا‭ ‬حذف‭ ‬كلمة‭ ‬“السابق”؛‭ ‬لأن‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬يظل‭ ‬محتفظًا‭ ‬بلقب‭ ‬“الرئيس”‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مدته‭ ‬ومغادرته‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬المسؤولين‭ ‬السابقين‭ ‬الذين‭ ‬التقيتهم‭ ‬السيد‭ ‬توني‭ ‬بلير،‭ ‬الذي‭ ‬عَرف‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬يستثمر‭ ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬ماضيه‭ ‬وموقعه‭ ‬السياسي،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قضى‭ ‬3‭ ‬دورات‭ ‬متتالية‭ ‬رئيسا‭ ‬لوزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2007،‭ ‬وبعدها‭ ‬واصل‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬نشاطه‭ ‬وحيويته،‭ ‬وصار‭ ‬دخله‭ ‬السنوي‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬المداخيل‭ ‬السنوية‭ ‬لأي‭ ‬مسؤول‭ ‬بريطاني‭ ‬سابق،‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬المقابلات‭ ‬والمقالات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يكتبها‭ ‬والخطب‭ ‬والكلمات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يلقيها‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬ويتقاضى‭ ‬عليها‭ ‬رسومًا‭ ‬عالية،‭ ‬ألّف‭ ‬بلير‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬ظلت‭ ‬تدر‭ ‬عليه‭ ‬ملايين‭ ‬الجنيهات‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬منها‭ ‬مذكراته‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬بعنوان‭ ‬“رحلة‭.. ‬حياتي‭ ‬السياسية”،‭ ‬وكتاب‭ ‬“بريطانيا‭ ‬الجديدة‭.. ‬تصوري‭ ‬لدولة‭ ‬شابة”،‭ ‬وكتاب‭ ‬“الطريق‭ ‬الثالث‭.. ‬سياسات‭ ‬جديدة‭ ‬لقرن‭ ‬جديد”‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكتب‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬حال‭ ‬الوزراء‭ ‬والسياسيين‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وما‭ ‬يؤدونه‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬أو‭ ‬يحققونه‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬ومكتسبات‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مهامهم‭ ‬الرسمية‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬بما‭ ‬يحققه‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭.‬

‭ ‬فدولنا‭ ‬العربية‭ ‬الخليجية‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬المعاصر‭ ‬نظام‭ ‬التشكيل‭ ‬الوزاري‭ ‬بمفهومه‭ ‬الحديث‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬نيل‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬منا‭ ‬تقدمًا‭ ‬وعراقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬وتكوينها‭ ‬السياسي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الملوك‭ ‬هم‭ ‬رؤساء‭ ‬الدولة‭ ‬والحكومة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬وكانوا‭ ‬يشرفون‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭.‬

فهذه‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬وهي‭ ‬رائدة‭ ‬وأم‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإدارية‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1714‭ ‬عندما‭ ‬اختير‭ ‬الملك‭ ‬جورج‭ ‬الأول‭ ‬ليخلف‭ ‬الملكة‭ ‬“آن”؛‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬أقرباء‭ ‬الملكة‭ ‬ممن‭ ‬يعتنقون‭ ‬المذهب‭ ‬البروتستانتي،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬ألمانيًا‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يجيد‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إعاقة‭ ‬وعرقلة‭ ‬تواصله‭ ‬واتصاله‭ ‬ومخاطبته‭ ‬لشعبه‭ ‬ومسؤوليه،‭ ‬فتم‭ ‬اختيار‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الأحرار‭ ‬البريطاني‭ ‬روبرت‭ ‬والبول‭ ‬الذي‭ ‬عين‭ ‬أول‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬الخزانة‭ ‬ورئيسًا‭ ‬لمجلس‭ ‬العموم،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬مسؤولًا‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الحكومة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬لقب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬الخليجية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حداثة‭ ‬استقلال‭ ‬دولها،‭ ‬فإن‭ ‬بعضها‭ ‬قطعت‭ ‬أشواطًا‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬توجهها‭ ‬نحو‭ ‬تطبيق‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬بقيت‭ ‬تتمتع‭ ‬بشبه‭ ‬استقلال‭ ‬أو‭ ‬فصل‭ ‬كامل‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية،‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬تشكيلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬أو‭ ‬حسب‭ ‬معايير‭ ‬النظام‭ ‬البرلماني‭ ‬الذي‭ ‬يتيح‭ ‬للحزب‭ ‬الفائز‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة،‭ ‬ولكنه‭ ‬يتم‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬يتولى،‭ ‬بالتشاور،‭ ‬اختيار‭ ‬الوزراء‭ ‬ورئيسهم‭ ‬والطاقم‭ ‬الإداري‭ ‬آخذًا‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬والمعايير‭ ‬والاعتبارات‭ ‬أهمها‭ ‬مكانة‭ ‬الفرد‭ ‬وإمكاناته‭ ‬وقدراته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬معادلات‭ ‬ومقتضيات‭ ‬التوازن‭ ‬القبلي‭ ‬والأسري‭ ‬والمناطقي‭ ‬والمذهبي‭ ‬وغيرها‭ ‬كانت‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬وتجعل‭ ‬عملية‭ ‬الاختيار‭ ‬حساسة‭ ‬ودقيقة‭ ‬وخاضعة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المراجعات‭ ‬والمشاورات‭ ‬والغربلة‭ ‬والتمحيص،‭ ‬وبالنتيجة،‭ ‬وحتى‭ ‬عهد‭ ‬قريب،‭ ‬فإنه‭ ‬عندما‭ ‬يعين‭ ‬الوزير‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬لسنوات‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬أو‭ ‬أطول‭ ‬مدى‭ ‬ممكن،‭ ‬ويدعم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬ثقافة‭ ‬أنظمتنا‭ ‬الحاكمة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬واحترام‭ ‬المسؤول‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬مخلصًا‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقة‭ ‬به،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬تراكم‭ ‬خبراته‭ ‬كلما‭ ‬طالت‭ ‬مدة‭ ‬خدمته،‭ ‬وتقدير‭ ‬عطائه‭ ‬وتفانيه‭ ‬وولائه؛‭ ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬أو‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬يكافأ‭ ‬أو‭ ‬يجازى‭ ‬بالتخلي‭ ‬عنه‭ ‬وطرده‭ ‬وإزاحته‭ ‬عن‭ ‬منصبه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الوزير‭ ‬يتوصل‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬بل‭ ‬يقنعها‭ ‬بأنه‭ ‬باقٍ‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭ ‬ويتصرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭.‬

 

وفي‭ ‬حاله‭ ‬الحاجة‭ ‬أو‭ ‬الاضطرار‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬الوزير‭ ‬مثلًا‭ ‬فقد‭ ‬ابتكر‭ ‬حكام‭ ‬الخليج‭ ‬مصطلح‭ ‬“إعفاء”،‭ ‬وهي‭ ‬تسمية‭ ‬أو‭ ‬كلمة‭ ‬مهذبة‭ ‬ولطيفة‭ ‬تحمل‭ ‬بين‭ ‬طياتها‭ ‬معاني‭ ‬الترضية‭ ‬والتقدير‭ ‬ومراعاة‭ ‬الشعور،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الخدمة،‭ ‬ولا‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬مصطلحات‭ ‬مثل‭ ‬الإقالة‭ ‬أو‭ ‬الطرد‭ ‬أو‭ ‬العزل‭ ‬أو‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية‭ ‬إلا‭ ‬نادرًا‭.‬

وحتى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬أيضًا‭ ‬فإن‭ ‬الوزراء‭ ‬“المعفَون”‭ ‬يظلون‭ ‬يتمتعون‭ ‬بثقة‭ ‬وتقدير‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭ ‬فيتم‭ ‬تعيينهم‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬“مستشارين‭ ‬بدرجة‭ ‬وزراء”،‭ ‬وهذه‭ ‬أيضًا‭ ‬تسمية‭ ‬غير‭ ‬متداولة‭ ‬أو‭ ‬مألوفة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية،‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬تعيينهم‭ ‬سفراء،‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يحظَ‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬يقع‭ ‬فريسة‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأنه‭ ‬تم‭ ‬الغدر‭ ‬أو‭ ‬التضحية‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬وإهماله‭ ‬وتهميشه،‭ ‬ويعتبر‭ ‬حتى‭ ‬“الإعفاء”‭ ‬نقيصة‭ ‬وإهانة،‭ ‬فيكتفي‭ ‬بالانزواء‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬التقاعد‭ ‬والانكفاء،‭ ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬للمجتمع‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬أثناء‭ ‬تقلده‭ ‬وأدائه‭ ‬مهامه‭ ‬الرسمية‭.‬