“التغيير الديموغرافي”... هذا ما يريده أردوغان!

| صالح القلاب

عندما‭ ‬يبادر‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬وأكد‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬بأنه‭ ‬سينقل‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬السوريين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬إلى‭ ‬شمالي‭ ‬–‭ ‬شرقي‭ ‬سوريا،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬“تورطاً”‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬سكانية‭ ‬جديدة،‭ ‬وحقيقة‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يريده‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬بعد‭ ‬انفجار‭ ‬الأوضاع‭ ‬“عنده”‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬وأكد‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬“سوريا‭ ‬مفيدة”‭ ‬أي‭ ‬“مُفصّلة”‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طائفي‭ ‬وعلى‭ ‬مقاس‭ ‬الطائفة‭ ‬العلوية‭ ‬التي‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬قول‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإنها‭ ‬بغالبيتها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬كلها‭ ‬عروبية‭ ‬وترفض‭ ‬المذهبية‭ ‬إن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬بالنسبة‭ ‬لباقي‭ ‬المكونات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عربياًّ‭ ‬ورمزاً‭ ‬للعروبة‭.‬

كان‭ ‬أردوغان‭ ‬قد‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬للاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬على‭ ‬مصاريعها‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬السياسية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬الحقائق‭ ‬أن‭ ‬اتضحت‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬“الديموغرافي”‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬بدأه‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬سابقة‭ ‬والذي‭ ‬أعلن‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬أنه‭ ‬سيستكمله،‭ ‬ثمنه‭ ‬أن‭ ‬يوافق‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬على‭ ‬التنازل‭ ‬له‭ ‬بامتدادات‭ ‬مجزية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬إدلب‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬وذلك‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬له‭ ‬هدف‭ ‬“سوريا‭ ‬المفيدة”‭!‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يوجع‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬فعلاً‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬قلب‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬النابض‭ ‬وهي‭ ‬كذلك،‭ ‬آخذة‭ ‬بالتمزق‭ ‬والانشطار‭ ‬وأن‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬أمانة‭ ‬وحدتها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مشغولاً‭ ‬إلاّ‭ ‬بالبقاء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الـ‭ ‬“كيلومتر‭ ‬المربع”‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يتحرك‭ ‬فيه‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬مهتماً‭ ‬إلا‭ ‬بتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬“سوريا‭ ‬المفيدة”،‭ ‬أي‭ ‬سوريا‭ ‬الطائفية،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬أتباع‭ ‬هذه‭ ‬الطائفة‭ ‬باتوا‭ ‬يشكلون‭ ‬الأكثرية‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬الفيحاء،‭ ‬وهنا‭ ‬ومرة‭ ‬ثانية‭ ‬الطائفة‭ ‬العلوية‭ ‬الكريمة‭ ‬بغالبيتها‭ ‬ترفض‭ ‬“التمذهب”‭ ‬وبمعظم‭ ‬أتباعها‭ ‬قومية‭ ‬وعروبية‭ ‬وروادها‭ ‬الأوائل‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬المعلم‭ ‬الكبير‭ ‬زكي‭ ‬الأرسوزي‭ ‬وصالح‭ ‬العلي‭ ‬وغيرهما،‭ ‬رفضوا‭ ‬إغراءات‭ ‬المستعمرين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬بإقامة‭ ‬دويلة‭ ‬طائفية‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬العلويين‭ ‬وعلى‭ ‬شواطئ‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬بين‭ ‬اللاذقية‭ ‬وطرطوس‭ ‬مروراً‭ ‬بـ‭ ‬“جبلة”‭ ‬بلد‭ ‬الثائر‭ ‬العظيم‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬القسام‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬رمزاً‭ ‬قومياًّ‭ ‬شامخاً‭ ‬وهو‭ ‬ينتمي‭ ‬مذهبياً‭ ‬إلى‭ ‬الطائفة‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭.‬

إن‭ ‬المقصود‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يتصرف‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬“أمير‭ ‬المؤمنين”‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬المرشد‭ ‬العام‭ ‬للتنظيم‭ ‬العالمي‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬بات‭ ‬يلعب‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬الخطيرة،‭ ‬فهذا‭ ‬“التغيير‭ ‬الديموغرافي”‭ ‬الذي‭ ‬لجأ‭ ‬إليه‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬هدف‭ ‬“سوريا‭ ‬المفيدة”‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬ويعني‭ ‬أنه‭ ‬سيسعى‭ ‬إلى‭ ‬تمدد‭ ‬تركيا‭ ‬جغرافياً‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنها‭ ‬وريثة‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬سيئة‭ ‬الصيت‭ ‬والسمعة‭. ‬“إيلاف”‭.‬