ماذا بعد

إعادة شراء الأسهم

| مازن النسور

زادت‭ ‬حمى‭ ‬إعادة‭ ‬شراء‭ ‬الأسهم‭ ‬في‭ ‬بورصة‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬الحالية‭ ‬والماضية‭ ‬بشكل‭ ‬ملفت‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬المدرجة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬خبرا‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬السوق‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬المؤسسة‭ ‬الفلانية‭ ‬أو‭ ‬العلانية‭ ‬بإعادة‭ ‬شراء‭ ‬أسهمها،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬اصطلاحا‭ ‬ب‭ ‬“أسهم‭ ‬الخزينة”‭.‬

ويلاحظ‭ ‬المتابع‭ ‬لحركة‭ ‬بورصة‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬البنوك‭ ‬التجارية‭ ‬والمصارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬الشركات‭ ‬المدرجة‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬شراء‭ ‬أسهمها‭ ‬قياسا‭ ‬بغيرها‭.‬

لكن‭ ‬لماذا،‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬الشراء،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬الشركة‭ ‬والموظفون،‭ ‬أم‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬أم‭ ‬الرؤساء‭ ‬التنفيذيون،‭ ‬أم‭ ‬المساهمون؟‭.‬

في‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1929،‭ ‬انهار‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭ ‬الأميركية،‭ ‬وتبخرت‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات،‭ ‬وتآكلت‭ ‬قيمة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشركات،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الرؤساء‭ ‬التنفيذيين‭ ‬والمديرين‭ ‬العامين‭ ‬فكرة‭ ‬جعلتهم‭ ‬أثرياء‭.‬

‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬المسؤولون‭ ‬بالشركات‭ ‬المدرجة‭ ‬في‭ ‬البورصة‭ ‬الأميركية‭ ‬والتي‭ ‬انهارت‭ ‬أسهمها‭ ‬بفعل‭ ‬الأزمة‭ ‬آنذاك،‭ ‬بشراء‭ ‬الأسهم‭ ‬الخاصة‭ ‬بشركاتهم‭ ‬من‭ ‬المستثمرين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬أسعارها‭ ‬نسبيا‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬معادلة‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭.‬

اُكتشف‭ ‬وقتها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬“خدعة‭ ‬سحرية”،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬الشركات‭ ‬أنه‭ ‬بإمكانها‭ ‬رفع‭ ‬قيمة‭ ‬أسهمها‭ ‬دون‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬حقيقي،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عليها‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬النقد‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الأسهم‭ ‬المتاحة‭ ‬للتداول،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬بداية‭ ‬الممارسة‭ ‬المعروفة‭ ‬حاليًا‭ ‬ب”إعادة‭ ‬شراء‭ ‬الأسهم”‭. ‬

من‭ ‬وقتها‭ ‬أصبحت‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬شراء‭ ‬الأسهم‭ ‬الطريقة‭ ‬المفضلة‭ ‬للشركات‭ ‬الأميركية‭ ‬لتمرير‭ ‬الكاش‭ ‬للمساهمين‭.‬

تقول‭ ‬مؤسسات‭ ‬تحليل‭ ‬أميركية‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018،‭ ‬أعادت‭ ‬الشركات‭ ‬المدرجة‭ ‬بمؤشر‭ ‬“إس‭ ‬آند‭ ‬بي‭ ‬500”‭ ‬شراء‭ ‬أسهم‭ ‬بقيمة‭ ‬806‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬مستوى‭ ‬اعتبرته‭ ‬قياسيا‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬يزيد‭ ‬بنسبة‭ ‬55‭% ‬عن‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬فيما‭ ‬توقعت‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬740‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2019،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬كبير‭ ‬أيضا‭.‬

مدارس‭ ‬الاقتصاد‭ ‬تنتقد‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬لأنه‭ ‬يعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬المساهمين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬التنفيذيين‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الموظفين،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬تهدر‭ ‬بذلك‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬إعادة‭ ‬استثمارها‭ ‬في‭ ‬النشاطات‭ ‬التجارية‭ ‬والبحوث‭ ‬والتدريب‭ ‬أو‭ ‬دفعها‭ ‬للموظفين‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬يشير‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬قد‭ ‬تضر‭ ‬بالمساهمين‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬فيما‭ ‬تحقق‭ ‬مكاسب‭ ‬كبيرة‭ ‬للرؤساء‭ ‬التنفيذيين‭ ‬الذين‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الأسهم‭ ‬التي‭ ‬تلقوها‭ ‬أصلا‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬المكافآت‭.‬

مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬شراء‭ ‬الأسهم‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬جيدة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الأموال‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬تصرف‭ ‬الرؤساء‭ ‬التنفيذيين‭ ‬والمديرين‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يهدرونها‭ ‬على‭ ‬استثمارات‭ ‬منخفضة‭ ‬القيمة‭ ‬أو‭ ‬مضاربة‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬الشركات،‭ ‬لاسيما‭ ‬البنوك،‭ ‬المدرجة‭ ‬في‭ ‬بورصة‭ ‬البحرين‭ ‬تقوم‭ ‬بإعادة‭ ‬شراء‭ ‬أسهمها‭ ‬لهذه‭ ‬الغايات‭ ‬سالفة‭ ‬الذكر،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬عندها‭ ‬أسبابا‭ ‬أخرى؟‭ ‬سؤال‭ ‬برسم‭ ‬الإجابة‭.‬