عزل ترامب بين الواقع والأحلام (2)

| سالم الكتبي

الجمهوريون‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬لا‭ ‬يخفون‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬عزمهم‭ ‬تبرئة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬اتهامات‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬كونهم‭ ‬يهيمنون‭ ‬على‭ ‬“الشيوخ”‭ ‬خلافاً‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب،‭ ‬بأغلبية‭ ‬53‭ ‬مقابل‭ ‬47‭ ‬سيناتورا،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني،‭ ‬حسابياً‭ ‬أن‭ ‬يصوت‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬سيناتورا‭ ‬جمهوريا‭ ‬لمصلحة‭ ‬إدانة‭ ‬ترامب‭ ‬لتحقيق‭ ‬أغلبية‭ ‬الثلثين،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مستبعد‭ ‬تماماً،‭ ‬نظرياً‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

الحقيقة‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬الحرج‭ ‬السياسي‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬إجراءات‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬عزل‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬يبدو‭ ‬بعيداً‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬الواقعية،‭ ‬وهذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬ليس‭ ‬مفاجئاً‭ ‬لأحد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬التركيبة‭ ‬السياسية‭ ‬الحالية‭ ‬لمجلسي‭ ‬الكونغرس،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تمكن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬وهم‭ ‬يدركون‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬لكنهم‭ ‬أرادوا‭ ‬إلقاء‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الإساءات‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬خصمهم‭ ‬الجمهوري‭ ‬اللدود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إضعاف‭ ‬فرصه‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬بولاية‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية،‭ ‬ويشجعهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إجراءات‭ ‬“العزل”‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬حرج‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للرئيس،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ولايته‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عامه‭ ‬الرئاسي‭ ‬الثاني‭ ‬أو‭ ‬الثالث،‭ ‬بل‭ ‬تأتي‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬استحقاق‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقررة‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬المقبل‭.‬

الواضح‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬يبدو‭ ‬متأثراً‭ ‬بقرار‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأميركي‭ ‬بشأن‭ ‬بدء‭ ‬إجراءات‭ ‬عزله،‭ ‬لذا‭ ‬ليس‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬ردود‭ ‬أفعاله‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأميركي‭ ‬غاضبة‭ ‬للغاية،‭ ‬حيث‭ ‬ندد‭ ‬بالتصويت‭ ‬واتهم‭ ‬خصومه‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬بأن‭ ‬الحقد‭ ‬والغضب‭ ‬والحسد‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬قراراتهم،‭ ‬فهو‭ ‬يدرك‭ ‬جيداً‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬سياسي‭ ‬بسبب‭ ‬عامل‭ ‬التوقيت،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يتزامن‭ ‬مع‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬ترتبط‭ ‬تقليدياً‭ ‬بالعام‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬الولاية‭ ‬الرئاسية‭ ‬لأي‭ ‬رئيس‭ ‬أميركي،‭ ‬والذي‭ ‬يوصف‭ ‬فيه‭ ‬الرئيس‭ ‬عادة‭ ‬بـ‭ ‬“البطة‭ ‬العرجاء”،‭ ‬حيث‭ ‬يميل‭ ‬للتركيز‭ ‬على‭ ‬السباق‭ ‬الانتخابي‭ ‬والقضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬ويبتعد‭ ‬قليلاً‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الخارجية‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬وتشابكاتها،‭ ‬والرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬هذه‭ ‬الرفاهية،‭ ‬أي‭ ‬رفاهية‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الخارجية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الخارجية‭ ‬الساخنة،‭ ‬والمفتوحة‭ ‬على‭ ‬مصراعيها،‭ ‬ولم‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬مؤشرات‭ ‬كبيرة‭ ‬حول‭ ‬حسمها،‭ ‬ومنها‭ ‬الملف‭ ‬الإيراني‭ ‬وموضوع‭ ‬“صفقة‭ ‬القرن”‭ ‬والصراع‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬حساسة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسبب‭ ‬إزعاجاً‭ ‬للرئيس‭ ‬وفريقه‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة‭.‬

كثيرون‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬والعالم‭ ‬يحلمون،‭ ‬بل‭ ‬يتمنون‭ ‬عزل‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬وأن‭ ‬تمضي‭ ‬إجراءات‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬كما‭ ‬يوافق‭ ‬هواهم،‭ ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬الأميركي‭ ‬لا‭ ‬يشير‭ ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وتبقى‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الحالمين‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬ينشغل‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬بموضوع‭ ‬عزله‭ ‬حتى‭ ‬ينتهي‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬من‭ ‬التصويت‭ ‬ويغلق‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الأبرز‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬الأميركية‭.‬”إيلاف”‭.‬