زبدة القول

ما أسرع الأيام

| د. بثينة خليفة قاسم

بعد‭ ‬أيام‭ ‬قلائل‭ ‬نودع‭ ‬عاما‭ ‬ونستقبل‭ ‬عاما‭ ‬جديدا،‭ ‬فما‭ ‬أسرع‭ ‬الأيام،‭ ‬حيث‭ ‬يمضي‭ ‬العام‭ ‬وكأنه‭ ‬نصف‭ ‬أو‭ ‬ثلث‭ ‬عام‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬البشر‭ ‬وخصوصا‭ ‬العرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬مر‭ ‬بسرعة‭ ‬رهيبة،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬الشريف‭ ‬الرضي‭: ‬ما‭ ‬أسرع‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬طينا‭.. ‬تمضي‭ ‬علينا‭ ‬ثم‭ ‬تمضي‭ ‬بنا،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أمل‭ ‬قد‭ ‬نأى‭.. ‬مرامه‭ ‬عن‭ ‬أجل‭ ‬قد‭ ‬دنا،‭ ‬أنذرنا‭ ‬الدهر‭ ‬وما‭ ‬نرعوي‭.. ‬كأنما‭ ‬الدهر‭ ‬سوانا‭ ‬عنى‭.‬

كأنه‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬الأمس‭ ‬عندما‭ ‬كتبت‭ ‬أودع‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٨‬،‭ ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬ذا‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬وداع‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٩‬‭ ‬بحلوه‭ ‬ومره،‭ ‬وكما‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬ولغيري‭ ‬كثيرين‭ ‬أنه‭ ‬أقصر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬سبقه‭. ‬كنت‭ ‬أعتقد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬سرعة‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬أو‭ ‬تقارب‭ ‬الزمان‭ ‬إحساس‭ ‬ينتابني‭ ‬وحدي‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬لكنني‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬البشر‭ ‬لديهم‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭. ‬

تذكرت‭ ‬وأنا‭ ‬أستعد‭ ‬لتدوين‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬حديثا‭ ‬رواه‭ ‬أنس‭ ‬ابن‭ ‬مالك‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬الساعة‭ ‬حتى‭ ‬يتقارب‭ ‬الزمان‭ ‬فتكون‭ ‬السنة‭ ‬كالشهر‭ ‬ويكون‭ ‬الشهر‭ ‬كالجمعة‭ ‬وتكون‭ ‬الجمعة‭ ‬كاليوم‭ ‬ويكون‭ ‬اليوم‭ ‬كالساعة‭ ‬وتكون‭ ‬الساعة‭ ‬كالضرمة‭ ‬بالنار‭.‬

وقد‭ ‬قرأت‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬يؤمنون‭ ‬أيضا‭ ‬بمسألة‭ ‬تسارع‭ ‬الزمن‭ ‬ويقولون‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التسارع‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬يحدث‭ ‬بسبب‭ ‬اقتراب‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬فتزداد‭ ‬سرعة‭ ‬دورانها‭. ‬وبسبب‭ ‬سرعة‭ ‬هذا‭ ‬الدوران‭ ‬تقل‭ ‬البركة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ويقصر‭ ‬الزمن‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬شروق‭ ‬الشمس‭ ‬وبين‭ ‬غروبها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تطلع‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬مغربها،‭ ‬وتسبق‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬العالم‭ ‬الجيولوجي‭ ‬زغلول‭ ‬النجار‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الاضطراب‭ ‬يطول‭ ‬فيها‭ ‬النهار‭ ‬ثم‭ ‬يقصر‭ ‬ثم‭ ‬تطلع‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬مغربها‭.‬

وكما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭: ‬ما‭ ‬أسرع‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬الشهر،‭ ‬وأسرع‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬العمر،‭ ‬ليس‭ ‬لمن‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬حيلة‭ ‬موجودة،‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬الصبر،‭ ‬فاخط‭ ‬مع‭ ‬الدهر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬خطا‭.. ‬واجر‭ ‬مع‭ ‬الدهر‭ ‬كما‭ ‬يجري‭.‬

فلنودع‭ ‬عامنا‭ ‬المنتهي‭ ‬ولنستقبل‭ ‬عامنا‭ ‬الجديد‭ ‬بفكر‭ ‬جديد‭ ‬وروح‭ ‬جديدة‭ ‬ونفوس‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬الخير‭ ‬بحماس‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬العزيز‭ ‬وليكن‭ ‬شعارنا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭: ‬

سأزرع‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬بيداء‭ ‬قاحلة‭.. ‬لربما‭ ‬جاد‭ ‬بالسقيا‭ ‬الذي‭ ‬عبرا،‭ ‬مسافر‭ ‬أنت‭ ‬والآثار‭ ‬باقية‭.. ‬فاترك‭ ‬لعمرك‭ ‬ما‭ ‬تحيي‭ ‬به‭ ‬الأثرا‭.‬