التضامن الإنساني

| عبدعلي الغسرة

التضامن‭ ‬الإنساني‭ ‬يعني‭ ‬اعترافنا‭ ‬جميعا‭ ‬بأننا‭ ‬بشر‭ ‬ونعيش‭ ‬كوحدة‭ ‬متكاملة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬دمرها‭ ‬جشع‭ ‬الإنسان‭ ‬وطمعه‭ ‬وعدم‭ ‬احترامه‭ ‬الآخر،‭ ‬فعالمنا‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬الحروب‭ ‬والفقر‭ ‬والجوع‭ ‬ومحاربة‭ ‬الآخر‭ ‬عرقًا‭ ‬ودينًا‭ ‬ومذهبًا،‭ ‬عالم‭ ‬يبحث‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬أرضٍ‭ ‬تؤويه‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أزيز‭ ‬الرصاص،‭ ‬وبحثًا‭ ‬عن‭ ‬الكرامة‭ ‬واللقمة‭ ‬التي‭ ‬فقدها‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬إنه‭ ‬عالم‭ ‬اختفى‭ ‬فيه‭ ‬التضامن‭ ‬الإنساني‭.‬

لماذا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التضامن؟‭ ‬وما‭ ‬أهميته؟‭ ‬الإنسان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التضامن‭ ‬لكي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬ذاته‭ ‬ومع‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التنوع‭ ‬الإنساني،‭ ‬فالله‭ ‬تعالى‭ ‬خلقنا‭ ‬لكي‭ ‬نعيش‭ ‬معًا،‭ ‬نعمل‭ ‬لنا‭ ‬وللآخر‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬التعاون‭ (‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬إِنَّا‭ ‬خَلَقْنَاكُم‭ ‬مِّن‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وَأُنثَىٰ‭ ‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوبًا‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الكرامة‭ ‬الآدمية‭ ‬والأخوة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نُعمر‭ ‬الأرض،‭ ‬وهي‭ ‬إرادة‭ ‬إلهية‭ ‬مليئة‭ ‬بالحكمة‭ ‬والموعظة‭ ‬تستحق‭ ‬التأمل‭ ‬لمعرفة‭ ‬معانيها‭ ‬وأهدافها‭. ‬نحن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التضامن‭ ‬الإنساني‭ ‬لأن‭ ‬التنوع‭ ‬الإنساني‭ ‬اختلاف‭ ‬إيجابي‭ ‬يثري‭ ‬الحياة‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬عطائها،‭ ‬ويغرس‭ ‬التآلف‭ ‬ويؤسس‭ ‬البناء‭ ‬ويُحقق‭ ‬الخير‭ ‬والصلاح‭ ‬لجميع‭ ‬البشر،‭ ‬ويُعزز‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬احترام‭ ‬الآخرين‭ ‬والاعتراف‭ ‬بحقوقهم‭.‬

ومع‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬الأممية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عالمنا‭ ‬الأرضي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الحروب‭ ‬البشرية‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتراجعات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ومازالت‭ ‬الأهداف‭ ‬الإنمائية‭ ‬للألفية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التطبيق،‭ ‬وتتسع‭ ‬جغرافية‭ ‬الفقر‭ ‬وتتفشى‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة‭ ‬والجريمة،‭ ‬وتنتشر‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتعرقل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مبادرات‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬وإيقاف‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬التزاماتها‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬الداعية‭ ‬لنشر‭ ‬السلام‭ ‬وحماية‭ ‬الإنسان‭.‬

ولأجل‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التعارف‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬والاعتراف‭ ‬بأهمية‭ ‬الآخرين‭ ‬وآلامهم‭ ‬ولرفع‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬الإنسان‭ ‬وتحسين‭ ‬أوضاعه‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬أقرت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يومًا‭ ‬للتضامن‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬منجزات‭ ‬العالم‭ ‬ومنتجاته‭ ‬الغذائية‭ ‬والدوائية‭ ‬ومن‭ ‬كُل‭ ‬سُبل‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تقليل‭ ‬التفاوت‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬ورفع‭ ‬روح‭ ‬المشاركة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بينهم،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬وتعزيز‭ ‬السلام‭ ‬وتجسيدًا‭ ‬لمبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

إن‭ ‬إقرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يومًا‭ ‬عالميًا‭ ‬للتضامن‭ ‬الإنساني‭ ‬يُمثل‭ ‬قيمة‭ ‬أخلاقية‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬ودولها،‭ ‬فهو‭ ‬الكفيل‭ ‬بردم‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الهوة‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬والدول،‭ ‬ويُحقق‭ ‬الإخاء‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الدور‭ ‬الإيجابي‭ ‬للإنسان‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭.‬