وهكذا انتصر الخوف

| عبدالنبي الشعلة

كنت‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع،‭ ‬إبان‭ ‬احتدام‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬للبرلمان‭ ‬البريطاني،‭ ‬وفي‭ ‬ذروة‭ ‬السباق‭ ‬والصراع‭ ‬والجدل‭ ‬بين‭ ‬حزبي‭ ‬المحافظين‭ ‬والعمال،‭ ‬والذي‭ ‬عكس‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬الانقسام‭ ‬والانفعال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسود‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭ ‬وقتها،‭ ‬وكانت‭ ‬الخلافات‭ ‬والنقاشات‭ ‬تتمحور‭ ‬بكثافة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬“بريكست”‭ ‬أو‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الحدة‭ ‬وذلك‭ ‬الانفعال‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬نابعين‭ ‬ومشدودين‭ ‬بإحكام‭ ‬إلى‭ ‬خوف‭ ‬وقلق‭ ‬البريطانيين‭ ‬من‭ ‬ذوبان‭ ‬وضياع‭ ‬هويتهم‭ ‬الوطنية‭ ‬والعرقية‭ ‬والدينية؛‭ ‬نتيجة‭ ‬النزوح‭ ‬والهجرة‭ ‬المتزايدة‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭ ‬معرضًا‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬تركيبته‭ ‬السكانية‭.‬

إن‭ ‬قضية‭ ‬الهجرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبريطانيين‭ ‬أصبحت‭ ‬مرتبطة‭ ‬أيضًا،‭ ‬وبشكل‭ ‬وثيق،‭ ‬بانتشار‭ ‬وتفاقم‭ ‬البطالة‭ ‬بينهم،‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬أشد‭ ‬وأوثق‭ ‬بهلعهم‭ ‬وخوفهم‭ ‬الأكبر‭ ‬والأعمق‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬والأعمال‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬وخطر‭ ‬داهم‭ ‬على‭ ‬أرواحهم‭ ‬ومكتسباتهم‭ ‬ومقدراتهم‭.‬

هذه‭ ‬القضايا‭ ‬والتحديات‭ ‬أنتجت‭ ‬ورسخت‭ ‬الإحساس‭ ‬بالخوف‭ ‬وعدم‭ ‬الأمان‭ ‬لدى‭ ‬البريطانيين،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬نمو‭ ‬التيارات‭ ‬والحركات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وبروز‭ ‬ظاهرة‭ (‬الإسلاموفوبيا‭) ‬وارتفاع‭ ‬موجة‭ ‬معاداة‭ ‬المهاجرين،‭ ‬وجعلت‭ ‬البريطانيين‭ ‬يسمعون‭ ‬ويتبعون‭ ‬من‭ ‬يعدهم‭ ‬بتوفير‭ ‬الأمن‭ ‬والحماية‭ ‬لمجتمعهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ينادي‭ ‬ويعد‭ ‬به‭ ‬ويدعو‭ ‬إليه‭ ‬بقوة‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭.‬

لقد‭ ‬ظل‭ ‬البريطانيون‭ ‬يشككون‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬وصلاحية‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬لتولي‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬وقيادة‭ ‬البلاد،‭ ‬فقد‭ ‬وجدوا‭ ‬فيه‭ ‬إنسانًا‭ ‬صاحب‭ ‬أسلوب‭ ‬غريب‭ ‬ومزاج‭ ‬متقلب،‭ ‬ويفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الرزانة‭ ‬والاتزان‭ ‬والعمق،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬مستعدًا‭ ‬للمشاكسة‭ ‬والكذب‭ ‬إذا‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر،‭ ‬ولانتهاك‭ ‬الأساليب‭ ‬والأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬المستقرة؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الخوف‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬لهم‭ ‬خيارًا‭ ‬سوى‭ ‬الالتفاف‭ ‬حوله،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تخطي‭ ‬التحفظات‭ ‬والانتقادات؛‭ ‬لأنه‭ ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬ينفذ‭ ‬إلى‭ ‬مكامن‭ ‬مخاوف‭ ‬الناخبين،‭ ‬وكيف‭ ‬يوظفها‭ ‬لصالحه‭.‬

فالفضل‭ ‬إذًا‭ ‬في‭ ‬حصول‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬وحزبه‭ ‬على‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬يعود‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬إلى‭ ‬عنصر‭ ‬الخوف،‭ ‬وإلى‭ ‬شخصين‭ ‬لولا‭ ‬وجودهما‭ ‬لما‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬الكاسح‭ ‬وبهذا‭ ‬المستوى‭.‬

الشخصان‭ ‬ساهما‭ ‬بشكل‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬استنهاض‭ ‬وتحريك‭ ‬هواجس‭ ‬ومخاوف‭ ‬الناخبين،‭ ‬وعرف‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬بدوره‭ ‬كيف‭ ‬يستهدف‭ ‬ويستثمر‭ ‬هذه‭ ‬الهواجس‭ ‬والمخاوف‭ ‬بكل‭ ‬براعة‭ ‬واقتدار‭.‬

‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬البريطاني‭ ‬“جرمي‭  ‬كوربين”‭ ‬الذي‭ ‬وجده‭ ‬الناخبون‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لاتباع‭ ‬سياسات‭ ‬شديدة‭ ‬الانحراف‭ ‬لليسار‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مقعد‭ ‬الرئاسة،‭ ‬والذي‭ ‬قدم‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية‭ ‬وعودا‭ ‬كثيرة‭ ‬ومثيرة‭ ‬غطت‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬تقريباً،‭ ‬وشملت‭ ‬مصادرة‭ ‬10‭ % ‬من‭ ‬أسهم‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬لصالح‭ ‬الدولة،‭ ‬ورفع‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬الشركات،‭ ‬وتطبيق‭ ‬برنامج‭ ‬واسع‭ ‬لتأميم‭ ‬مرافق‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وإلغاء‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬بضمها‭ ‬إلى‭ ‬سياق‭ ‬التعليم‭ ‬الحكومي،‭ ‬وتقنين‭ ‬نظام‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬عمل‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬وزيادة‭ ‬أجور‭ ‬العاملين‭ ‬بالقطاع‭ ‬العام،‭ ‬وتوفير‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬المجانية‭ ‬للمسنين،‭ ‬وضمان‭ ‬مجانية‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي،‭ ‬وخفض‭ ‬سن‭ ‬التصويت‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬سنة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الوعود‭ ‬البراقة‭ ‬الكثيرة‭.‬

كما‭ ‬قال‭ ‬كوربين‭ ‬لناخبيه‭ ‬إنه‭ ‬ينوي‭ ‬محاربة‭ ‬“المصرفيين‭ ‬والمليارديرات‭ ‬والمؤسسة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المواطن‭ ‬العادي”،‭ ‬ووصف‭ ‬خططه‭ ‬وبرامجه‭ ‬بأنها‭ ‬“ثورة‭ ‬خضراء”‭. ‬

إن‭ ‬وعود‭ ‬كاربين‭ ‬لناخبيه‭ ‬كانت‭ ‬وفيرة‭ ‬سخية‭ ‬ترتفع‭ ‬لها‭ ‬الحواجب‭ ‬ويسيل‭ ‬لها‭ ‬لعاب‭ ‬الكادحين‭ ‬والطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أصواتها‭ ‬حزب‭ ‬العمال،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬شكك‭ ‬البريطانيون‭ ‬بمختلف‭ ‬مستوياتهم‭ ‬في‭ ‬واقعية‭ ‬وجدية‭ ‬ومصداقية‭ ‬هذه‭ ‬الوعود،‭ ‬وفي‭ ‬إمكانية‭ ‬كوربين‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بها‭ ‬وتطبيقها؛‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬“ما‭ ‬زاد‭ ‬عن‭ ‬حده‭ ‬ينقلب‭ ‬إلى‭ ‬ضده”،‭ ‬فالبريطانيون‭ ‬لم‭ ‬ينسوا‭ ‬أن‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬فاز‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أجندة‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1974،‭ ‬لكن‭ ‬نتيجة‭ ‬حكمه‭ ‬كانت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬معدل‭ ‬البطالة‭ ‬وكسادًا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭.‬

والبريطانيون‭ ‬بطبيعتهم‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬الثورات،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬خضراء‭ ‬أم‭ ‬حمراء‭ ‬أم‭ ‬بيضاء،‭ ‬وصاروا‭ ‬خائفين‭ ‬من‭ ‬كوربين‭ ‬ومن‭ ‬برنامجه‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تطبيقه‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬شكل‭ ‬بريطانيا‭. ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬فزعوا‭ ‬وخافوا‭ ‬من‭ ‬تمادي‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬توجهه‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الذي‭ ‬اقترب‭ ‬كثيرًا‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الدئرة‭ ‬الماركسية‭ ‬اللينينية‭.‬

أما‭ ‬الشخص‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لمساعدة‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬كاسح،‭ ‬فهو‭ ‬“عثمان‭ ‬خان”‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬28‭ ‬سنة،‭ ‬وهو‭ ‬شاب‭ ‬مسلم‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬باكستاني‭ ‬محسوب‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬الجهادي،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬التصويت‭ ‬وعلى‭ ‬جسر‭ ‬لندن‭ ‬بطعن‭ ‬خمسة‭ ‬أشخاص‭ ‬من‭ ‬المارة‭ ‬الأبرياء‭ ‬بسكين‭ ‬كان‭ ‬يحملها،‭ ‬مات‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬اثنان‭ ‬منهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬الشرطة‭ ‬من‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬عليه‭ ‬وقتله‭.‬

عثمان‭ ‬خان‭ ‬متطرف‭ ‬معتنق‭ ‬للفكر‭ ‬الجهادي،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أدين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وثمانية‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإرهاب‭ ‬والتخطيط‭ ‬لتفجير‭ ‬بورصة‭ ‬لندن‭ ‬واستهداف‭ ‬أسماء‭ ‬وعناوين‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬لندن‭ ‬آنذاك،‭ ‬وهو‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬نفسه،‭ ‬وأسقف‭ ‬كاتدرائية‭ ‬القديس‭ ‬بولس،‭ ‬والسفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬قضى‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬تم‭ ‬الإفراج‭ ‬عنه‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بإجراءات‭ ‬احترازية،‭ ‬منها‭ ‬رصد‭ ‬تحركاته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ارتداء‭ ‬سوار‭ ‬إلكتروني‭ ‬يتيح‭ ‬للشرطة‭ ‬تتبعه‭ ‬ومراقبته‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭ ‬غاضبة‭ ‬ومحتدة‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬الإرهابية‭ ‬النكراء‭ ‬التي‭ ‬وفرت‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لأبواق‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬ولخطابات‭ ‬ودعوات‭ ‬التعصب‭ ‬والكراهية‭ ‬والإقصاء،‭ ‬وزودت‭ ‬حملة‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬بوقود‭ ‬سحري‭ ‬صالح‭ ‬لإشعال‭ ‬وإثارة‭ ‬أحاسيس‭ ‬الناخبين‭ ‬لصالح‭ ‬أجندته‭. ‬

والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬التطرف‭ ‬عندما‭ ‬يتحرك‭ ‬أو‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬فإنه‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متطرفة‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى،‭ ‬فرغم‭ ‬الاختلاف‭ ‬والعداء‭ ‬المعروف‭ ‬بين‭ ‬المتطرفين‭ ‬الإسلاميين‭ ‬والمتطرفين‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬عضوية‭ ‬بينهما،‭ ‬إذ‭ ‬يتغذى‭ ‬كلاهما‭ ‬من‭ ‬الآخر‭ ‬ويتبادلان‭ ‬الفعل‭ ‬ورد‭ ‬الفعل،‭ ‬فكلما‭ ‬برز‭ ‬تطرف‭ ‬أو‭ ‬وقعت‭ ‬عملية‭ ‬إرهابية‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما،‭ ‬فإنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬وتهيئة‭ ‬الفرصة‭ ‬لحدوث‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬ذاته‭.‬

إن‭ ‬وقوع‭ ‬جريمة‭ ‬جسر‭ ‬لندن‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬دفع‭ ‬بالهاجس‭ ‬الأمني‭ ‬عند‭ ‬البريطانيين‭ ‬ليتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬الانتخابي،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬للناخب‭ ‬الخائف‭ ‬والمذعور‭ ‬من‭ ‬تدفق‭ ‬المهاجرين‭ ‬وهجمات‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬رجاحة‭ ‬وصواب‭ ‬وصحة‭ ‬مواقف‭ ‬وآراء‭ ‬وشعارات‭ ‬مرشح‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬الذي‭ ‬وعد‭ ‬الناخبين‭ ‬بتشديد‭ ‬قوانين‭ ‬الهجرة‭ ‬والتنقل‭ ‬والقوانين‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭ ‬اللازمة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭.‬

وقد‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬أعلنت‭ ‬فيه‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬فاز‭ ‬فيها‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬بأغلبية‭ ‬مطلقة‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬مثلها‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬عامًا،‭ ‬ومني‭ ‬فيها‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬بهزيمة‭ ‬تاريخية‭ ‬ماحقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتسح‭ ‬المحافظون‭ ‬دوائر‭ ‬عرفت‭ ‬تاريخيًا‭ ‬كمعاقل‭ ‬لحزب‭ ‬العمال‭.‬

وبذلك‭ ‬فقد‭ ‬انتصر‭ ‬الخوف‭.‬