ما بعد الانتفاضات الثلاث في العراق ولبنان وإيران

| فلاح هادي الجنابي

من‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك،‭ ‬فإن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬الثلاث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وإيران‭ ‬والمتزامنة‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬ضربة‭ ‬سياسية‭ ‬ـ‭ ‬فكرية‭ ‬ـ‭ ‬أمنية‭ ‬تلقاها‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضات‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬أكبر‭ ‬عملية‭ ‬تصويت‭ ‬جرت‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬معنية‭ ‬بنظرية‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬رفضها‭ ‬القاطع‭ ‬لهذه‭ ‬النظرية‭ ‬وسعيها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬خارج‭ ‬سطوة‭ ‬وتأثير‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬وقيم‭ ‬أكل‭ ‬عليها‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب‭.‬

نظام‭ ‬الملالي‭ ‬الذي‭ ‬يطبل‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاما‭ ‬لنظرية‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬ويصور‭ ‬كذبا‭ ‬ودجلا‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬ـ‭ ‬الفكري‭ ‬ـ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ـ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأفضل‭ ‬للعالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬يعاني‭ ‬أوضاعا‭ ‬بالغة‭ ‬السوء‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬الأعوام‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬قام‭ ‬بثلاث‭ ‬انتفاضات‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثبت‭ ‬عدم‭ ‬تقبله‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬ورفضه‭ ‬القاطع‭ ‬له،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬الملفت‭ ‬للنظر،‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬المعروف‭ ‬بخبرته‭ ‬وولعه‭ ‬بالكذب‭ ‬والخداع‭ ‬والتضليل‭ ‬وقلب‭ ‬الحقائق،‭ ‬كان‭ ‬يوحي‭ ‬دائما‭ ‬للشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬بأن‭ ‬نظرية‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬تلقى‭ ‬صدى‭ ‬وقبولا‭ ‬وترحيبا‭ ‬كبيرا‭ ‬وواسعا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬شعوب‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬ان‭ ‬النظام‭ ‬هدد‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬بأذرعه‭ ‬العميلة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬السعي‭ ‬لإسقاطه،‭ ‬ولكن‭ ‬جاءت‭ ‬انتفاضة‭ ‬الشعبين‭ ‬العراقي‭ ‬واللبناني‭ ‬لتلقم‭ ‬نظام‭ ‬الفاشية‭ ‬الدينية‭ ‬حجرا‭ ‬وتفضح‭ ‬كذبه‭ ‬وخداعه‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬الشعبين‭ ‬العراقي‭ ‬واللبناني‭ ‬يرفضان‭ ‬نظام‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬وأذرعه‭ ‬العميلة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬النظام‭ ‬يصاب‭ ‬بحالة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬الهستيريا‭ ‬تجلت‭ ‬في‭ ‬الأساليب‭ ‬البربرية‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬لقمع‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬والتي‭ ‬تجاوزت‭ ‬الأساليب‭ ‬السابقة‭ ‬وتمادت‭ ‬في‭ ‬قسوتها‭ ‬وعنفها‭ ‬وإجرامها‭ ‬البالغ‭.‬

مع‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية‭ ‬حيث‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الثلاث‭ ‬مندلعة‭ ‬بوجه‭ ‬النظام‭ ‬هي‭ ‬الأسوأ‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه،‭ ‬لكن‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬ستلي‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضات‭ ‬ستكون‭ ‬الأسوأ‭ ‬بكثير،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الأوضاع‭ ‬والظروف‭ ‬ستطرأ‭ ‬عليها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التغييرات،‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬انتبه‭ ‬جيدا‭ ‬إلى‭ ‬كذب‭ ‬مزاعم‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬بشأن‭ ‬أن‭ ‬العراقيين‭ ‬واللبنانيين‭ ‬يؤيدونه‭ ‬ويقفون‭ ‬معه‭ ‬قلبا‭ ‬وقالبا،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬الدولي‭ ‬سيتغير‭ ‬تبعا‭ ‬لذلك‭ ‬وسيجد‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العقبات‭ ‬والعراقيل‭ ‬بوجهه،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬فإنه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية‭ ‬لاندلاع‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضات‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬فترة‭ ‬الموت‭ ‬السريري‭ ‬لنظرية‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه،‭ ‬فإن‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الثلاث‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬فترة‭ ‬تقبير‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬ورميها‭ ‬في‭ ‬مزبلة‭ ‬التاريخ‭. ‬“الحوار”‭.‬