وَخْـزَةُ حُب

رومانسية المطر... عُذوبة وعَذاب!

| د. زهرة حرم

يترجم‭ ‬الكثيرون‭ ‬كلمة‭ ‬رومانسية‭ ‬إلى‭ ‬حب‭ ‬وعشق‭ ‬وهيام،‭ ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬جزء‭ ‬بسيط‭ ‬منها؛‭ ‬فالرومانسية‭ ‬وهي‭ ‬مصطلح‭ ‬غربي‭ ‬مُعرب؛‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشعور‭ ‬الإنساني‭ ‬المرهف،‭ ‬والحالة‭ ‬الوجدانية‭ ‬الهشّة‭! ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجعلك‭ ‬تحلق‭ ‬في‭ ‬أقاصي‭ ‬الخيال؛‭ ‬فتبعدك‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬مسافات‭ ‬ضوئية‭ ‬بعيدة‭! ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجعلك‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬وتطير‭ ‬في‭ ‬الماء‭! ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجعلك‭ ‬تثور‭ ‬لأبسط‭ ‬الأشياء؛‭ ‬أو‭ ‬تغضب،‭ ‬أو‭ ‬تتحمس‭ ‬وتفرح‭! ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تقترن‭ ‬بدموع‭ ‬العين،‭ ‬والبكائيات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭! ‬الرومانسية‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬تتعلق‭ ‬بالروح؛‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬شفافة‭ ‬ورقيقة،‭ ‬سهلة‭ ‬الخدش،‭ ‬سريعة‭ ‬التأثر،‭ ‬فتتعاطى‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حولها‭ ‬بحساسية‭ ‬شديدة؛‭ ‬إِنْ‭ ‬فرحًا،‭ ‬وإِنْ‭ ‬حُزنًا‭! ‬إِنْ‭ ‬خيالا،‭ ‬وإنْ‭ ‬حقيقة‭!‬

في‭ ‬مواسم‭ ‬المطر؛‭ ‬حيث‭ ‬يميل‭ ‬الطقس‭ ‬إلى‭ ‬البرودة‭ ‬غالبًا،‭ ‬ويكون‭ ‬الفصل‭ ‬شتاءً؛‭ ‬تزداد‭ ‬حاجة‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬الدفء‭ ‬المعنوي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الجسديّ،‭ ‬وكلما‭ ‬غابت‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬احتجبت‭ ‬بنورها‭ ‬ووهجها‭ ‬الدافئ؛‭ ‬احتاج‭ ‬المرء‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬مُعادل‭ ‬حقيقي؛‭ ‬ليعوض‭ ‬الفاقد‭ ‬منها،‭ ‬وليُحقق‭ ‬حالة‭ ‬التوازن‭ ‬المطلوبة‭! ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬كلامًا‭ ‬رومانسيًا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته؛‭ ‬إنه‭ ‬كلام‭ ‬العلم؛‭ ‬وعلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى؛‭ ‬فمن‭ ‬جهة؛‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اتصال‭ ‬وتناغم‭ ‬مع‭ ‬كونِه‭ ‬الكبير،‭ ‬سواء‭ ‬أشعر‭ ‬بذلك‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭! ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬كونية،‭ ‬إلهية،‭ ‬مترابطة‭ ‬معا،‭ ‬يتأثر‭ ‬بما‭ ‬يحيط‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬من‭ ‬مناخات،‭ ‬وأجواء،‭ ‬وتضاريس،‭ ‬وكأي‭ ‬كائن‭ ‬حي‭ ‬يتأثر‭ ‬ويُؤثر‭.‬

هل‭ ‬انتبه‭ ‬أحدنا‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬الهرمونية‭ ‬للإنسان؛‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالفصول‭ ‬الأربعة،‭ ‬واختلاف‭ ‬ساعات‭ ‬الليل‭ ‬والنهار؛‭ ‬وأثرها‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬أو‭ ‬نقصان‭ ‬هرمونات‭ ‬جسده؟‭! ‬تلك‭ ‬الهرمونات‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬بسبب‭ ‬الضوء‭ ‬أو‭ ‬الحرارة،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تنقص‭ ‬بسبب‭ ‬غيابها،‭ ‬وهلم‭ ‬جرّا،‭ ‬إذا‭ ‬وعينا‭ ‬هذا‭ ‬جيدا،‭ ‬وبحثنا‭ ‬حول‭ ‬الموضوع؛‭ ‬لن‭ ‬نستغرب‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬للمطر‭ ‬أثره‭ ‬البيولوجي‭ ‬النفسي‭ ‬علينا‭! ‬كيف‭ ‬يُنعش‭ ‬هرمونات‭ ‬السعادة‭ ‬مثلا،‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬تقلّب‭ ‬الحالة‭ ‬المزاجية‭! ‬بين‭ ‬حزن‭ ‬وفرح،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬سبب‭ ‬واضح‭ ‬ملموس،‭ ‬أو‭ ‬دليل‭ ‬ظاهر‭! ‬بل؛‭ ‬سبب‭ ‬خفيّ؛‭ ‬هرموني‭ ‬متعلق‭ ‬بالحركة‭ ‬الكونية‭!‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬مهمة،‭ ‬وضاربة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬ذكريات‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬فينا؛‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬المطر‭ ‬بطفولتنا؛‭ ‬ببراءة‭ ‬أرواحنا،‭ ‬وتفاسيرنا‭ ‬البسيطة‭ ‬والساذجة‭ ‬حوله،‭ ‬وتلك‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬حبكناها،‭ ‬أو‭ ‬حُبكت‭ ‬لنا‭ ‬حوله،‭ ‬وكلما‭ ‬عاوَدَنا‭ ‬المطرُ‭ ‬في‭ ‬أوقاتنا‭ ‬الحاضرة؛‭ ‬رجعنا‭ ‬بعيدا‭ ‬نحو‭ ‬ذاك‭ ‬الماضي؛‭ ‬نهفو‭ ‬لطفولتنا،‭ ‬ولصفائها‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬الحلم،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬توقفت‭ ‬زخات‭ ‬هذا‭ ‬المطر؛‭ ‬صحونا‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬مُفعم‭ ‬برومانسية‭ ‬الشوق‭ ‬والحنين‭ ‬لجزءٍ‭ ‬منا‭ ‬غائبٍ‭ ‬في‭ ‬طيّات‭ ‬التاريخ‭.‬

للمطر‭ ‬لغة‭ ‬رومانسية،‭ ‬تتقاذفُ‭ ‬الروحَ‭ ‬في‭ ‬اتجاهين،‭ ‬أحدهما‭: ‬العذوبة،‭ ‬والآخر‭: ‬العذاب‭! ‬وأكثرها‭ ‬رومانسيةً‭ ‬ما‭ ‬جمع‭ ‬الاثنين‭.‬