ريشة في الهواء

سياسة أم تعاسة!

| أحمد جمعة

السياسة‭ ‬لعبة‭ ‬مزدوجة‭ ‬أدت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لخسارتنا‭ ‬بالحياة‭ ‬العامة‭ ‬ونزعت‭ ‬السعادة‭ ‬من‭ ‬الكثيرين‭ ‬حين‭ ‬أصابتهم‭ ‬بالتوتر‭ ‬والاضطراب‭ ‬وانعدام‭ ‬الرؤية‭ ‬وشلت‭ ‬حياتهم‭ ‬وجعلتهم‭ ‬يرون‭ ‬الأمور‭ ‬بمنظور‭ ‬سياسي‭ ‬سلبي،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬السياسيين‭ ‬إذا‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬شأن‭ ‬ما‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬نشطاء‭ ‬سياسيين،‭ ‬وهم‭ ‬مستعدون‭ ‬لإزاحة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والسياحة‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والحضارة‭ ‬من‭ ‬قاموس‭ ‬العمل‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالسياسة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬الجسر‭ ‬الذي‭ ‬يوصل‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬يصبحوا‭ ‬من‭ ‬المؤثرين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭.‬

وقد‭ ‬دخل‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحلبة‭ ‬فانتقلوا‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬الوعظ‭ ‬والإرشاد‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬النشاط‭ ‬السياسي‭ ‬وقد‭ ‬فُتِح‭ ‬لهم‭ ‬الباب‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المجالس‭ ‬البلدية‭ ‬والبرلمانات‭ ‬وإلى‭ ‬المناصب‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬السياسة‭ ‬وليس‭ ‬الدين،‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬السياسة‭ ‬هي‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تفتح‭ ‬أبواب‭ ‬الفردوس‭ ‬للجميع‭ ‬باستثناء‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬كيف‭ ‬يلعبونها،‭ ‬بالطريقة‭ ‬القذرة‭! ‬لقد‭ ‬خسرنا‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية،‭ ‬كفاءات‭ ‬وعقولا‭ ‬وكثيرا‭ ‬من‭ ‬المؤهلين‭ ‬للتطوير‭ ‬والازدهار،‭ ‬بسبب‭ ‬لعبة‭ ‬السياسة‭ ‬والدين،‭ ‬والنفاق‭ ‬السياسي،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬وقد‭ ‬دفعنا‭ ‬أثمان‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬وسندفع‭ ‬الكثير،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نتراجع‭ ‬ونفكر‭ ‬بعقلانية‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬فرضت‭ ‬علينا‭ ‬المصالح‭ ‬الخاصة‭ ‬والأنانية‭ ‬هيمنتها‭. ‬

إن‭ ‬لعبة‭ ‬السياسة‭ ‬لعبة‭ ‬خاسرة،‭ ‬لا‭ ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نمارس‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬نبتعد‭ ‬عن‭ ‬عنها،‭ ‬فذلك‭ ‬أشبه‭ ‬بالمستحيل،‭ ‬فلا‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬لشيء،‭ ‬أو‭ ‬حراك‭ ‬ما،‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالسياسة‭ ‬حتى‭ ‬الماء‭ ‬والهواء‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬سياسة،‭ ‬لكن‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والنتائج‭. ‬

السياسة‭ ‬لعبة‭ ‬صنع‭ ‬الرفاهية‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬الدول‭ ‬المزدهرة‭ ‬والحضارية‭ ‬والعقلانية‭ ‬فن‭ ‬صناعة‭ ‬الرخاء‭ ‬بأسلوب‭ ‬المنافسة،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬خطط‭ ‬ورؤى‭ ‬نتسابق‭ ‬على‭ ‬تقديمها‭ ‬كبرامج‭ ‬اقتصادية‭ ‬وصحية‭ ‬وثقافية،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سباق‭ ‬من‭ ‬يكسب‭ ‬أكثر‭ ‬ومن‭ ‬يكسر‭ ‬أكثر،‭ ‬ومن‭ ‬يحطم‭ ‬الآخر‭ ‬ومن‭ ‬يعزل‭ ‬الآخرين‭ ‬ويتسيد،‭ ‬فتخرج‭ ‬الكفاءات‭ ‬من‭ ‬المولد‭ ‬بلا‭ ‬حمص‭! ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬وتتكشف‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬والممارسات‭ ‬المتخلفة‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬هي‭ ‬الخاسرة‭ ‬ومرشحة‭ ‬للخسارة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬نتصور‭ ‬إن‭ ‬تَسيّدت‭ ‬السياسة‭ ‬المنافقة‭ ‬علينا‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬تحتمل‭ ‬الأوطان‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الطبقات‭ ‬السياسية،‭ ‬وطلبات‭ ‬هذه‭ ‬الطبقات‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وغيرها،‭ ‬فالكل‭ ‬تقريباً‭ ‬لديه‭ ‬مطالب،‭ ‬فالسنة‭ ‬يريدون‭ ‬والشيعة‭ ‬يريدون‭ ‬والمسيحيون‭ ‬يريدون‭ ‬والتجار‭ ‬يريدون‭ ‬والسياسيون‭ ‬وتقريباً‭ ‬الجميع‭ ‬يريد،‭ ‬فهل‭ ‬يكفي‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬ليلبي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الطلبات؟‭.‬

تنويرة‭:

‬لا‭ ‬يكون‭ ‬التصفيق‭ ‬الجماعي‭ ‬دائماً‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬التأييد‭.‬