زبدة القول

انتحار ناجي الفلاطي

| د. بثينة خليفة قاسم

ناجي‭ ‬الفلاطي‭ ‬ليس‭ ‬سياسيا‭ ‬شهيرا،‭ ‬وليس‭ ‬نجما‭ ‬سينمائيا،‭ ‬ولا‭ ‬قائدا‭ ‬عسكريا‭ ‬ولا‭ ‬إعلاميا‭ ‬قديرا،‭ ‬ولا‭ ‬زعيما‭ ‬طائفيا،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الشهرة‭ ‬ما‭ ‬يجعلني‭ ‬أستخدم‭ ‬عنوانا‭ ‬كهذا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬لكنني‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬وضعت‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذا‭ ‬العمود‭ ‬لعل‭ ‬اسمه‭ ‬يصل‭ ‬لجميع‭ ‬الطائفيين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬وطن‭ ‬ولا‭ ‬مواطن،‭ ‬لكن‭ ‬تعنيهم‭ ‬فقط‭ ‬ممارسة‭ ‬طائفيتهم‭ ‬المقيتة‭ ‬وتنفيذ‭ ‬أوامر‭ ‬قادتهم‭ ‬ومرجعياتهم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭ ‬ومهما‭ ‬وصلوا‭ ‬بالوطن‭ ‬والمواطن‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬الضياع‭.‬

ناجي‭ ‬الفلاطي‭ ‬مواطن‭ ‬لبناني‭ ‬فقير‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬بعلبك،‭ ‬أرادت‭ ‬ابنته‭ ‬الصغيرة‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬لها‭ ‬فطيرة‭ ‬أو‭ ‬منقوشة‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬اللبنانيون،‭ ‬لكنه‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬طلب‭ ‬ابنته‭ ‬المتواضع،‭ ‬وعجز‭ ‬عن‭ ‬سداد‭ ‬ديونه‭ ‬وهي‭ ‬ثلاثمئة‭ ‬دولار،‭ ‬فقرر‭ ‬الانتحار‭ ‬وتحجرت‭ ‬الدموع‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬صغيرته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تطمع‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬منقوشة‭ ‬تسد‭ ‬بها‭ ‬جوعها‭.‬

يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مسافة‭ ‬بعيدة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬الزعماء‭ ‬الطائفيين‭ ‬الذين‭ ‬يمتلكون‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬وينعمون‭ ‬في‭ ‬قصورهم‭ ‬وبين‭ ‬المواطن‭ ‬اللبناني‭ ‬الجائع‭ ‬الذي‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬منقوشة،‭ ‬ويا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬صفعة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬ناجي‭ ‬الفلاطي‭ ‬للإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬وكل‭ ‬الطائفيين‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ - ‬وأمثاله‭ ‬من‭ ‬الزعماء‭ - ‬لا‭ ‬يعنيه‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬يعشق‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يعنيه‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الجميل‭ ‬لبنان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬يربط‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬رقبته‭ ‬ويسلم‭ ‬الحبل‭ ‬لإيران‭.‬

ناجي‭ ‬الفلاطي‭ ‬اضطر‭ ‬لمعانقة‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الزعماء‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يستجيبوا‭ ‬لهتافات‭ ‬واعتصامات‭ ‬اللبنانيين‭ ‬التي‭ ‬ترفضهم‭ ‬جميعا‭ ‬وليس‭ ‬البعض‭ ‬منهم،‭ ‬ألم‭ ‬يسمع‭ ‬زعماء‭ ‬لبنان‭ ‬هتاف‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬حسمت‭ ‬موقفها‭ ‬منهم‭ ‬أجمعين‭ ‬بهتافها‭ ‬“كلن‭ ‬يعني‭ ‬كلن”؟‭!‬

الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعنيه‭ ‬معادلات‭ ‬سياسية‭ ‬وطائفية‭ ‬ومحاصصات‭ ‬مقيتة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يصنع‭ ‬تقدما‭ ‬ولا‭ ‬يوفر‭ ‬لقمة،‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬يعنيه‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬كريما‭ ‬وليسقط‭ ‬كل‭ ‬الزعماء‭.‬