ستة على ستة

تظاهرات إيران... جامعة

| عطا السيد الشعراوي

لم‭ ‬نكن‭ ‬بحاجة‭ ‬للمقال‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬“فورين‭ ‬أفيرز”‭ ‬مؤخرا‭ ‬لنعلم‭ ‬أن‭ ‬انتفاضة‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الحكومة‭ ‬برفع‭ ‬أسعار‭ ‬البنزين،‭ ‬الذي‭ ‬فجر‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬بكامن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬استياء‭ ‬وغضب‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬دينية‭.‬

لكن‭ ‬قيمة‭ ‬وأهمية‭ ‬مقال‭ ‬فورين‭ ‬أفيرز‭ ‬أنه‭ ‬غاص‭ ‬ميدانيًا‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬منغلق‭ ‬يقمع‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬ويقيد‭ ‬استعمال‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وقدم‭ ‬دراسة‭ ‬تحليلية‭ ‬لخريطة‭ ‬التظاهرات،‭ ‬وفند‭ ‬مزاعم‭ ‬طهران‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مؤامرة‭ ‬ضد‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬حيث‭ ‬خلص‭ ‬المقال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المشكلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إلا‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬اندلعت‭ ‬حتى‭ ‬عم‭ ‬الاستياء‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬تآكلا‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬للنظام‭ ‬الحاكم‭.‬

الدليل‭ ‬الذي‭ ‬استند‭ ‬إليه‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬احتجت‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬البنزين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هي‭ ‬الأفقر‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬المستفيد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬والأكثر‭ ‬تطورا‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬ليؤكد‭ ‬المقال‭ ‬أن‭ ‬المتظاهرين‭ ‬يقومون‭ ‬بعقاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬لعدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬وعوده‭ ‬الانتخابية‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬الإصلاحات‭ ‬السياسية‭ ‬وتحسين‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإيراني‭.‬

وردًا‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬الذين‭ ‬وصفوا‭ ‬المتظاهرين‭ ‬بأنهم‭ ‬بلطجية،‭ ‬أكدت‭ ‬الفورين‭ ‬أفيرز‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أخرجت‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنين‭ ‬للتظاهر‭ ‬ضدها‭ ‬بمساعيها‭ ‬لحرمانهم‭ ‬والإمعان‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬فقرهم‭ ‬وتغلق‭ ‬أبواب‭ ‬الحرية‭ ‬أمامهم،‭ ‬لافتة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التظاهرات‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الشبابي‭ ‬المتعلم،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬جامعة‭ ‬لجميع‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬ممن‭ ‬دعموا‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬عام‭ ‬2017م‭ ‬أو‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الممتنعين‭ ‬عن‭ ‬التصويت،‭ ‬وهذا‭ ‬أقصى‭ ‬إجراء‭ ‬يمكن‭ ‬فعله‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بالحريات‭ ‬فيولد‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬إظهار‭ ‬المعارضة‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬كأسلوب‭ ‬آمن‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬النظام‭ ‬وسياساته‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬يتخذ‭ ‬إجراءات‭ ‬قمعية‭ ‬وممارسات‭ ‬وحشية‭ ‬ضد‭ ‬المتظاهرين،‭ ‬فإن‭ ‬فورين‭ ‬أفيرز‭ ‬تتوقع‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬هذا‭ ‬القمع‭ ‬من‭ ‬تكاتف‭ ‬ووحدة‭ ‬المتظاهرين‭ ‬وليس‭ ‬تفريقهم‭ ‬أو‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حراكهم‭.‬