وَخْـزَةُ حُب

الوطن... حبلنا السريّ

| د. زهرة حرم

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬المواطنون‭ ‬إلى‭ ‬محاضرات‭ ‬أو‭ ‬ندوات‭ ‬أو‭ ‬مناهج‭ ‬تعليمية‭ ‬تُعلّمهم‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ؛‭ ‬معاني‭ ‬الولاء‭ ‬أو‭ ‬الانتماء؛‭ ‬فالوطنية‭ ‬تُولد‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬صرخة‭ ‬للحياة،‭ ‬وحينها‭ ‬ينتمي‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬بيئته،‭ ‬وجماعته،‭ ‬وإلى‭ ‬المحيط‭ ‬الحاضن‭: ‬الوطن؛‭ ‬هذا‭ ‬الحيز‭ ‬الجغرافي‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نختاره‭ ‬بأنفسنا؛‭ ‬بل‭ ‬يختارنا؛‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬قدرنا‭ ‬أو‭ ‬مصيرنا؛‭ ‬وحينها‭ ‬نتعلّق‭ ‬بحباله؛‭ ‬كأجنّة‭ ‬تتعلق‭ ‬بأمهاتها؛‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬أرحامها؛‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يُختم‭ ‬على‭ ‬قلبها‭ ‬بالحب‭ ‬العظيم،‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تبارح‭ ‬حبالها‭ ‬الأولى؛‭ ‬مسقط‭ ‬رأسها،‭ ‬وموضع‭ ‬سكينتها،‭ ‬إلا‭ ‬وعادت‭ ‬بقوة‭ ‬وشغف‭ ‬العاشقين‭.‬

الوطن‭ ‬ليس‭ ‬مفهومًا‭ ‬يُختزل‭ ‬في‭ ‬كتاب،‭ ‬أو‭ ‬يُختصر‭ ‬في‭ ‬كلمات؛‭ ‬لنحفظها‭ ‬أو‭ ‬نُمتحن‭ ‬فيها،‭ ‬لذلك‭ ‬فغالبيتنا‭ ‬لا‭ ‬نستوعب‭ ‬مقررات‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية؛‭ ‬لا‭ ‬نستوعب‭ ‬أن‭ ‬نُدرّس‭ ‬حب‭ ‬الوطن؛‭ ‬وكأنه‭ ‬غائب‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬موجود‭! ‬فالمشاعر‭ ‬التي‭ ‬تأصلت‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الروح؛‭ ‬كيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ (‬لوغاريتمات‭) ‬للحفظ؟‭! ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يشكّ‭ ‬في‭ ‬ولائنا‭ ‬الوطني،‭ ‬وجاء‭ ‬يعلمنا‭ ‬إياه؟‭! ‬ألف‭: ‬لا‭... ‬فالحب‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬لتبرير؛‭ ‬لأنه‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬لذاته‭! ‬فتخيلوا‭ ‬أنكم‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬أو‭ ‬جامعات‭ ‬تعلمكم‭ ‬الحب‭ (‬الذي‭ ‬تُحبونَ‭ ‬أصلا‭)!‬

الوطنية‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬العلوم‭ ‬الروحية‭ ‬التي‭ ‬نُجيدها،‭ ‬نتدرب‭ ‬عليها،‭ ‬ونمارسها‭ ‬دون‭ ‬مدرب‭ ‬أو‭ ‬معلم؛‭ ‬فهذه‭ ‬النسمات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬بلادنا‭ ‬تُلقننا‭ ‬فنون‭ ‬الجذب‭ ‬وسحر‭ ‬الجاذبية،‭ ‬هذا‭ ‬البحر،‭ ‬هذا‭ ‬الحي،‭ ‬والقرية،‭ ‬والمدينة،‭ ‬والناس؛‭ ‬يلتفون‭ ‬–‭ ‬جميعًا‭ - ‬في‭ ‬سيمفونيات‭ ‬يومية‭ ‬حولنا‭! ‬يُشكلون‭ ‬معا‭ ‬مفاهيم‭ ‬الوطن،‭ ‬ويشبكون‭ ‬حباله‭ ‬المنسوجة‭ ‬بمهارة‭ ‬وفنية؛‭ ‬وفي‭ ‬عفوية‭ ‬تامة‭ ‬من‭ ‬أمرهم؛‭ ‬نتحول‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬التلاميذ‭ ‬نجابةً‭ ‬في‭ ‬الوطنية؛‭ ‬ننتصر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مناهجها‭ ‬المكتوبة‭ ‬بالأحبار‭ ‬الباردة‭ ‬والجافة،‭ ‬بل‭ ‬نتفوق‭ ‬على‭ ‬أنفسنا؛‭ ‬حين‭ ‬تحتاج‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬أستاذ‭ ‬ماهر‭ ‬وقدير‭!‬

عجبًا،‭ ‬من‭ ‬سيُعلم‭ ‬الروح‭ ‬كيف‭ ‬تحيا،‭ ‬وهي‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬الممات‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬أرضها‭ ‬ضياع‭ ‬وتِيه‭! ‬روح‭ ‬كهذه‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ولاءات‭ ‬مُصطنعة‭ ‬لتتعلمها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬غنية‭ ‬عن‭ ‬إيهامها‭ ‬أن‭ ‬فقرًا‭ ‬لديها‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭!‬؟‭ ‬لذا‭ ‬اتركوها‭ ‬تسرح‭ ‬في‭ ‬وطنيتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتجذرة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬عِرق‭ ‬نابتٍ‭ ‬تحت‭ ‬ترابها‭! ‬دعوها‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬الوطن‭ ‬تعيش‭ ‬بين‭ ‬جنباته‭ ‬آمنة‭ ‬مستقرة‭! ‬كفاكم‭ ‬تعليم‭ ‬الولد‭ ‬كيف‭ ‬يحب‭ ‬أمه؟‭! ‬وكيف‭ ‬يحن‭ ‬لحبله‭ ‬الموصول‭ ‬فيها،‭ ‬وكيف‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬أنفاسه‭!‬؟

للوطن‭ ‬المعجون‭ ‬بحبنا‭ ‬جميعًا،‭ ‬للوطن‭ ‬الساكن‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الروح،‭ ‬للوطن‭ ‬الضارب‭ ‬في‭ ‬جذور‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭: ‬سلام‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬صرخات‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أنفاسها‭. ‬سلام‭ ‬عليكِ‭ ‬يا‭ ‬بحرين‭ ‬الحب،‭ ‬والولاء،‭ ‬والانتماء،‭ ‬والوطنية‭. ‬سلام،‭ ‬سلام‭.‬