ريشة في الهواء

دم الفقراء ونفاق الغرب

| أحمد جمعة

ربيع‭ ‬الدم‭ ‬الدمر‭ ‬الذي‭ ‬أريد‭ ‬فيه‭ ‬إسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬المستقرة،‭ ‬لصالح‭ ‬الفوضى،‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬آثاره‭ ‬المدمرة‭ ‬تفكك‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬وتونس،‭ ‬والمحاولتان‭ ‬الفاشلتان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬والبحرين،‭ ‬هذا‭ ‬الربيع‭ ‬الدموي‭ ‬انعكس‭ ‬مؤخراً‭ ‬بشكل‭ ‬ربيع‭ ‬آخر،‭ ‬لكنه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬نقيض‭ ‬المرة‭ ‬السابقة،‭ ‬فالانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬الساحتين‭ ‬العراقية‭ ‬واللبنانية،‭ ‬وحتى‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بالساحة‭ ‬الإيرانية‭ ‬ذاتها،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬نتيجة‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬وعي‭ ‬الشعوب‭ ‬ينفجر،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬الجري‭ ‬وراء‭ ‬العقائد‭ ‬والخرافات،‭ ‬وتخدير‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬غالبها‭ ‬تجرها‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والعقائدية،‭ ‬أضحت‭ ‬اليوم‭ ‬مطلعة‭ ‬على‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وفهمت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للولي‭ ‬الفقيه‭ ‬ومن‭ ‬يتبعه،‭ ‬فقد‭ ‬جاعت‭ ‬وأفقرت‭ ‬وأصبحت‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬جنود‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬لقناة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مزق‭ ‬بطاقة‭ ‬الحزب‭ ‬أمام‭ ‬شاشة‭ ‬الحدث،‭ ‬إنه‭ ‬يصرف‭ ‬على‭ ‬إخوة‭ ‬وأخوات‭ ‬وعائلة‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬“ليرة”‭ ‬في‭ ‬الشهر،‭ ‬وأقسم‭ ‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬بمنطقة‭ ‬الهرم‭ ‬معقل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬الزبالة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬بلدته‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬فإن‭ ‬القتل‭ ‬للمتظاهرين‭ ‬الذين‭ ‬ثاروا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة،‭ ‬صار‭ ‬بالمجان،‭ ‬والكل‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬القاتل،‭ ‬وهم‭ ‬ميلشيات‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬الجيش‭ ‬ولا‭ ‬الشرطة‭ ‬ولا‭ ‬النظام‭ ‬الولائي‭ ‬نفسه‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المتظاهرين،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬متواطئ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬وبالتالي‭ ‬استمرار‭ ‬نهب‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عصابات‭ ‬الفساد‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران‭.‬

ما‭ ‬يثير‭ ‬الاستغراب،‭ ‬أن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الغربي،‭ ‬وجمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬سقط‭ ‬قتيل‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬المجاورة،‭ ‬لقامت‭ ‬قيامة‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬ورأيت‭ ‬وزارات‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬وأوروبا‭ ‬وكندا‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬ذهبت‭ ‬فتاة‭ ‬خليجية‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬لرأيت‭ ‬جولة‭ ‬من‭ ‬الردح‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬“عشرون‭ ‬أو‭ ‬ثلاثون‭ ‬متظاهرا‭ ‬برصاص‭ ‬حي‭ ‬وفي‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬وأمام‭ ‬شاشات‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يستدعي‭ ‬سوى‭ ‬جملة‭ ‬أو‭ ‬عبارة‭ ‬خجولة‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬حقن‭ ‬الدماء‭ ‬وضبط‭ ‬النفس‭! ‬هل‭ ‬رأيتم‭ ‬نفاقا‭ ‬غربيا‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬هذا؟

إن‭ ‬سقوط‭ ‬العراق‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬والذي‭ ‬حذر‭ ‬منه‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬ورده‭ ‬بالسلامة،‭ ‬كان‭ ‬بداية‭ ‬القطعة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬رقعة‭ ‬الدومينو‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬تداعت‭ ‬بقية‭ ‬الدول،‭ ‬بتخطيط‭ ‬ودم‭ ‬بارد‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬يتباكى‭ ‬اليوم‭ ‬بتمثيلية‭ ‬على‭ ‬قتلى‭ ‬وجرحى‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬وقف‭ ‬ذلك‭ ‬النزيف‭ ‬لو‭ ‬أراد،‭ ‬لكن‭ ‬النفاق‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬ينظر‭ ‬للشعوب‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬نظرة‭ ‬كبرياء‭ ‬وغطرسة‭.‬

تنويرة‭:

‬قد‭ ‬تملك‭ ‬المرء‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬روحه‭.‬