زبدة القول

هل انتهى دور المكتبة المدرسية؟

| د. بثينة خليفة قاسم

عندما‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬أو‭ ‬تركب‭ ‬في‭ ‬وسيلة‭ ‬مواصلات‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬مقهى،‭ ‬تجد‭ ‬الكل‭ ‬منكبا‭ ‬أو‭ ‬لتقل‭ ‬متوحدا‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬هاتفه‭ ‬النقال‭ ‬منفصلا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتجد‭ ‬الانفعالات‭ ‬ترتسم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬وهو‭ ‬يكتب‭ ‬على‭ ‬التطبيقات‭ ‬الخاصة‭ ‬بوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فهذا‭ ‬يبتسم‭ ‬وهذا‭ ‬يقطب‭ ‬جبينه‭ ‬وهو‭ ‬متفاعل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬ومنفصل‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭.‬

أما‭ ‬مشهد‭ ‬القراءة‭ ‬المتأنية‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬فقد‭ ‬اختفى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬اختفى‭ ‬الغول‭ ‬والعنقاء‭ ‬والخل‭ ‬الوفي،‭ ‬ولم‭ ‬نعد‭ ‬نرى‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬المواضع‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬وهو‭ ‬يقرأ‭ ‬كتابا‭ ‬ورقيا،‭ ‬إلا‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬الخمسينات‭ ‬والستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

كل‭ ‬شيء‭ ‬أصبح‭ ‬إلكترونيا‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬وأصبح‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬تلاميذ‭ ‬المدارس‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الماضي،‭ ‬فهم‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬كتاب‭ ‬المدرسة‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬مفروض‭ ‬عليهم،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فهم‭ ‬يقومون‭ ‬بكل‭ ‬أنشطتهم‭ ‬على‭ ‬هواتفهم‭ ‬النقالة‭... ‬فهل‭ ‬انتهى‭ ‬دور‭ ‬مكتبة‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬ركنا‭ ‬ركينا‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬أجيالا‭ ‬من‭ ‬العظماء؟

يقول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬والمثقفين‭ ‬إن‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬رغم‭ ‬هيمنتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬تحصيل‭ ‬المعرفة،‭ ‬والكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمكتبات‭ ‬المدرسية‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلغي‭ ‬إحداهما‭ ‬الأخرى‭.‬

يقول‭ ‬الناقد‭ ‬السعودي‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالله‭ ‬الغذامي‭ ‬إن‭ ‬المكتبة‭ ‬المدرسية‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬الدروس‭ ‬بالكتب‭ ‬والكتب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬جليس‭ ‬سوى‭ ‬الغبار‭ ‬بسبب‭ ‬إحساس‭ ‬الطلاب‭ ‬بعدم‭ ‬حاجتهم‭ ‬للكتب‭ ‬وإحساسهم‭ ‬بأن‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬يتلقونها‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالكتب‭ ‬لأن‭ ‬التعليم‭ ‬أصبح‭ ‬مذكرات‭ ‬فقط‭.‬

فهل‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬لإعادة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الطلاب‭ ‬والكتب‭ ‬والقراءة‭ ‬المتأنية‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الاتصال‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتم‭ ‬بسرعة‭ ‬وجعلت‭ ‬الطلاب‭ ‬منكبين‭ ‬على‭ ‬هواتفهم‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬الإدمان؟‭!.‬