مكافحة الفكر الضال (3 - 5)

| عادل عيسى المرزوق

هل‭ ‬الإتجار‭ ‬بالأشخاص‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬ضال‭ ‬في‭ ‬المجتمع؟‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬وهل‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كافحت‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬ما‭ ‬يكافح‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬غير‭ ‬الآدمي‭.‬

لكن‭ ‬التعريف‭ ‬الدقيق‭ ‬للإتجار‭ ‬بالأشخاص‭ ‬ربما‭ ‬يأخذ‭ ‬منحى‭ ‬مختلفًا،‭ ‬بُعدًا‭ ‬آخر،‭ ‬زمنًا‭ ‬تجاريًا‭ ‬بحتًا،‭ ‬بينما‭ ‬نحن‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬عقائدي‭ ‬فكري‭ ‬بحت‭.‬

الإتجار‭ ‬بالأشخاص‭ ‬سلوك‭ ‬ضال،‭ ‬والسلوك‭ ‬الضال،‭ ‬فكر‭ ‬منحرف‭ ‬عن‭ ‬ثوابت‭ ‬وطن،‭ ‬وتراث‭ ‬أمة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬يتربى‭ ‬بوعي‭ ‬محدد‭ ‬بألف‭ ‬باء‭ ‬أخلاق‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬والذي‭ ‬ينشأ‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يعيب‭ ‬على‭ ‬الصغير‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬للأكبر‭ ‬منه‭ ‬سنًا،‭ ‬والذي‭ ‬يعتاد‭ ‬على‭ ‬تدخين‭ ‬السيجارة‭ ‬أمام‭ ‬أبيه،‭ ‬ووضع‭ ‬الساق‭ ‬على‭ ‬الساق‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬يتقدمون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬أو‭ ‬القيمة‭ ‬أو‭ ‬العمر،‭ ‬فإذًا‭ ‬ذلك‭ ‬يعتبر‭ ‬سلوكًا‭ ‬جمعيًا‭ ‬عاديًا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬يتربى‭ ‬فيها‭ ‬النشء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخصال‭ ‬الحميدة‭ ‬لدينا،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“ستريتش”‭ ‬للملعب‭ ‬الذي‭ ‬يتنافس‭ ‬فيه‭ ‬فريقان‭ ‬على‭ ‬كرة،‭ ‬أو‭ ‬طرفان‭ ‬على‭ ‬مقعد،‭ ‬أو‭ ‬مجموعتان‭ ‬على‭ ‬سؤال،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬إضافة‭ ‬أعداد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المتنافسين‭ ‬في‭ ‬الملعب،‭ ‬أو‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالعدد‭ ‬الذي‭ ‬يفرضه‭ ‬قانون‭ ‬اللعبة،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬سواء‭ ‬تم‭ ‬توسيع‭ ‬الملعب‭ ‬بالعدد‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬تغيير‭ ‬القانون،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يتم،‭ ‬فإن‭ ‬النتيجة‭ ‬التي‭ ‬سيصل‭ ‬إليها‭ ‬الفريقان‭ ‬المتنافسان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاحتجاج‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬والاعتراف‭ ‬بآثارها‭ ‬أو‭ ‬جني‭ ‬ثمارها‭ ‬بالنسبة‭ ‬للفريق‭ ‬الفائز‭.‬

إذًا‭ ‬هنا‭ ‬يمكننا‭ ‬تقسيم‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬فرقتين‭: ‬إحداهما‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬القبول‭ ‬بالآخر‭ ‬ضرورة‭ ‬وثابت‭ ‬وأصل‭ ‬له‭ ‬جذور،‭ ‬وأخرى‭ ‬تحدد‭ ‬سقف‭ ‬لهذا‭ ‬القبول‭ ‬إذا‭ ‬تنافى‭ ‬مع‭ ‬معتقداتها‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬حالتها‭ ‬الأمنية‭ ‬أو‭ ‬ثوابتها‭ ‬المجتمعية‭.‬

الخلاف‭ ‬أو‭ ‬الاختلاف‭ ‬هنا‭ ‬سيكون‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬سلفًا،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تقريب‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حوار‭ ‬حضاري‭ ‬بناء،‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬وسيظل‭ ‬هو‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬تذويب‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬المتحضرة،‭ ‬والشعوب‭ ‬المتقدمة،‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المتحابة‭ ‬المتعايشة‭.‬

ونحمد‭ ‬الله‭ ‬ونشكر‭ ‬فضله‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬أجواء‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والقبول‭ ‬بالآخر،‭ ‬ونعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬الوطنية‭ ‬الأصيلة‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الازدراء‭ ‬لهذه‭ ‬القيم،‭ ‬وأن‭ ‬الرضوخ‭ ‬لفكرة‭ ‬الرفض‭ ‬القاطع‭ ‬لسلوكيات‭ ‬ارتضاها‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬مرمى‭ ‬البعد‭ ‬من‭ ‬تاريخه،‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬حياة،‭ ‬والاستسلام‭ ‬لفكرة‭ ‬ضلت‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ثم‭ ‬حامت‭ ‬حول‭ ‬حدودنا‭ ‬ربما‭ ‬تجد‭ ‬ملاذًا‭ ‬آمنًا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭.‬

على‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬فكرة‭ ‬المكافحة‭ ‬لم‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬فكري،‭ ‬أو‭ ‬خلاء‭ ‬ذهني‭ ‬لكنها‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فكرة‭ ‬أخرى‭ ‬ضالة،‭ ‬عبور‭ ‬آخر‭ ‬مارق‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬موروث‭ ‬عزيز‭ ‬تتمسك‭ ‬به‭ ‬الأمة‭ ‬عندما‭ ‬يحاصرها‭ ‬فكر‭ ‬آخر‭ ‬غريب،‭ ‬وسلوك‭ ‬آخر‭ ‬دخيل،‭ ‬وضيف‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قاعدة‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬اتجاه‭.‬

يتبع‭...‬