قمة الرياض .. فاصلة

| مؤنس المردي

رغم‭ ‬عظم‭ ‬التحديات‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬فإن‭ ‬أجواءً‭ ‬مفعمة‭ ‬بالتفاؤل‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭ ‬الـ‭ ‬40‭ ‬لقادة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬عليها‭ ‬والخروج‭ ‬بالنتائج‭ ‬التي‭ ‬تصبو‭ ‬إليها‭ ‬دولنا‭ ‬وشعوبنا‭.‬

ولأن‭ ‬لكل‭ ‬نجاح‭ ‬شروط‭ ‬ومتطلبات،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬قمة‭ ‬الرياض‭ ‬قد‭ ‬توافرت‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬المقومات‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬انعقادها‭ ‬برعاية‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود،‭ ‬وفي‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وهي‭ ‬البيت‭ ‬الجامع‭ ‬للخليج‭ ‬والعرب،‭ ‬والعمود‭ ‬الأساسي‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬للمنطقة‭ ‬بأسرها،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬حضور‭ ‬قادتنا‭ ‬الكرام‭ ‬وحكمتهم‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬مختلف‭ ‬التحديات،‭ ‬وحرصهم‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬سباقة‭ ‬تضمن‭ ‬استمرار‭ ‬مسيرة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬ومواصلة‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬منجزات‭ ‬للشعوب‭ ‬الخليجية‭.‬

وإذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬وصفًا‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬الرياض،‭ ‬فإنها‭ ‬القمة‭ ‬الفاصلة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬المحورية‭ ‬والقضايا‭ ‬الساخنة‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬المجلس‭ ‬ودوله‭ ‬وشعوبه‭ ‬وتفرض‭ ‬الفصل‭ ‬فيها‭ ‬والتعاطي‭ ‬الحاسم‭ ‬معها،‭ ‬وفي‭ ‬صدارتها‭ ‬أزمة‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحديث‭ ‬المتزايد‭ ‬والتكهنات‭ ‬بأن‭ ‬قمة‭ ‬الرياض‭ ‬ستكون‭ ‬محطة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة،‭ ‬وهو‭ ‬حديث‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعكس‭ ‬استفادة‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬الأزمة‭ ‬بمعالجتها‭ ‬معالجة‭ ‬وافية‭ ‬وشاملة‭ ‬تضمن‭ ‬الأمن‭ ‬والسلامة‭ ‬والسيادة،‭ ‬ووضع‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬عدم‭ ‬اندلاع‭ ‬أزمات‭ ‬مشابهة‭ ‬مستقبلا؛‭ ‬كونها‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬التعاون‭ ‬والعمل‭ ‬الجماعي‭ ‬لدول‭ ‬المجلس‭.‬

الملف‭ ‬المهم‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬فصلا‭ ‬وحسمًا‭ ‬هو‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬يتزايد‭ ‬خطرها‭ ‬ويتخذ‭ ‬أشكالا‭ ‬جديدة‭ ‬ومتنوعة،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬تكتفي‭ ‬طهران‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لدول‭ ‬المجلس‭ ‬والمنطقة‭ ‬ودعم‭ ‬الإرهاب‭ ‬والميلشيات‭ ‬الإرهابية‭ ‬لتقويض‭ ‬كل‭ ‬فرصة‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وإدامة‭ ‬أزماتها‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تسويتها،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الملاحة‭ ‬والممرات‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وتعرض‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬للخطر‭ ‬باعتراضها‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭ ‬وهجماتها‭ ‬ضد‭ ‬المنشآت‭ ‬النفطية،‭ ‬ثم‭ ‬تدعي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬حياء‭ ‬أنها‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬وتقوم‭ ‬بطرح‭ ‬مبادرة‭ ‬“هرمز‭ ‬للسلام”،‭ ‬وتسعى‭ ‬للترويج‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬الرئيس‭ ‬الايراني‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬أمام‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وجميعها‭ ‬قضايا‭ ‬ستكون‭ ‬محل‭ ‬بحث‭ ‬واهتمام‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬لوضع‭ ‬السبل‭ ‬الكفيلة‭ ‬بالتصدي‭ ‬لخطر‭ ‬إيران‭ ‬وتوضيح‭ ‬شروط‭ ‬اندماجها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬ومتطلبات‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الطبيعية‭ ‬معها‭.‬

إن‭ ‬أزمة‭ ‬قطر‭ ‬وممارسات‭ ‬وسياسات‭ ‬إيران‭ ‬فجرت‭ ‬مبادرات‭ ‬عدة‭ ‬وأوعزت‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬عالمية‭ ‬فكرة‭ ‬تشكيل‭ ‬تحالفات‭ ‬دولية‭ ‬أو‭ ‬إقليمية‭ ‬سواء‭ ‬للتصدي‭ ‬لخطر‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬لضمان‭ ‬أمن‭ ‬الملاحة‭ ‬وتأمين‭ ‬الممرات‭ ‬المائية،‭ ‬ولاشك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬التحدث‭ ‬بصوت‭ ‬خليجي‭ ‬موحد‭ ‬هو‭ ‬الضمانة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لفرض‭ ‬مصالح‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التحالفات‭ ‬وتحديد‭ ‬الإطار‭ ‬الأنسب‭ ‬لنا،‭ ‬وليس‭ ‬لغيرنا‭.‬

يقيننا‭ ‬ثابت‭ ‬وثقتنا‭ ‬دائمة‭ ‬بأن‭ ‬قادتنا‭ ‬الكرام‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬ضخ‭ ‬قرارات‭ ‬نوعية‭ ‬تمضي‭ ‬بمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬بخطوات‭ ‬واثقة‭ ‬وكيبرة‭ ‬لآفاق‭ ‬رحبة‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬التي‭ ‬ترضي‭ ‬طموحات‭ ‬وتطلعات‭ ‬أبناء‭ ‬شعوبنا‭ ‬الخليجية‭.‬