سبب فشل العملية السياسية العراقية

| فلاح هادي الجنابي

بعد‭ ‬مرور‭ ‬قرابة‭ ‬16‭ ‬عاما،‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الأحزاب‭ ‬والشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬وما‭ ‬تشظى‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬ميليشيات‭ ‬وزمر‭ ‬وجماعات‭ ‬مسلحة،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬سؤالا‭ ‬ملحا‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وهل‭ ‬صارت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الحالية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬السابق؟

طوال‭ ‬العهدين‭ ‬الملكي‭ ‬والجمهوري‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬العراق‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬الفاشلة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بلدا‭ ‬غير‭ ‬آمن‭ ‬وغير‭ ‬مستقر،‭ ‬لكن‭ ‬قد‭ ‬عانى‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الأكراد،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مؤثرة‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والأمنية،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬العراق‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بعهد‭ ‬“العراق‭ ‬الجديد”،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬انقلبت‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب‭ ‬بحيث‭ ‬صارت‭ ‬الأوضاع‭ ‬خليطا‭ ‬عجيبا‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬صار‭ ‬أشبه‭ ‬بمسخ‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬له‭ ‬نظير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

أحزاب‭ ‬وشخصيات‭ ‬كانت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الظلم‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يرتكبه‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬ومعارضيه،‭ ‬وأنه‭ ‬نظام‭ ‬فاسد‭ ‬يسرق‭ ‬وينهب‭ ‬ثروات‭ ‬وأموال‭ ‬الشعب‭ ‬وهو‭ ‬“عميل”‭ ‬لأميركا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وكان‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬ينتظر‭ ‬عهدا‭ ‬جديدا‭ ‬مفعما‭ ‬بالأمل‭ ‬والخير‭ ‬والتفاؤل‭ ‬حيث‭ ‬سيتنفس‭ ‬فيه‭ ‬الصعداء‭ ‬وينسى‭ ‬عهد‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الذي‭ ‬أدخله‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬طاحنة‭ ‬كلفت‭ ‬البلاد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬والأموال،‭ ‬لكن،‭ ‬فوجئت‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬صار‭ ‬يحن‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬ويترحم‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬العيوب‭ ‬أو‭ ‬الأخطاء‭ ‬الفظيعة،‭ ‬إنما‭ ‬لأن‭ ‬النظام‭ ‬الحالي‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مستوى‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشية‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬بالمستوى‭ ‬والقدر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقدمه‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭.‬

العملية‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬مضربا‭ ‬للأمثال‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬غرابتها‭ ‬وما‭ ‬ترشح‭ ‬ويترشح‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬وقضايا‭ ‬غريبة‭ ‬وعجيبة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬مثيل،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬تشكيل‭ ‬أية‭ ‬حكومة‭ ‬أو‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬سياسي‭ ‬مهم‭ ‬وخطير،‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬“الفصل”‭ ‬و”الحاسم”‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الحدود،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الأحزاب‭ ‬والشخصيات‭ ‬والميليشيات‭ ‬والدكاكين‭ ‬السياسية،‭ ‬ليس‭ ‬بإمكانها‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صاحبة‭ ‬الشأن‭ ‬والقرار،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تنتظر‭ ‬ما‭ ‬سيردها‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الحدود،‭ ‬وتحديدا‭ ‬من‭ ‬طهران،‭ ‬معقل‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭.‬

أسوأ‭ ‬شيء‭ ‬انتهى‭ ‬العراق‭ ‬إليه‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬تحت‭ ‬وصاية‭ ‬أكثر‭ ‬نظام‭ ‬مرفوض‭ ‬ومكروه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬العالم‭ ‬عموما‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬شعبه‭ ‬خصوصا،‭ ‬ونعني‭ ‬به‭ ‬نظام‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭. ‬“الحوار”‭.‬