تركيا وإيران: ماذا بعد؟ (1)

| راغدة درغام

ستطال‭ ‬عقوبات‭ ‬أميركية‭ ‬قريباً‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران،‭ ‬وقد‭ ‬تتوسَّع‭ ‬حلقة‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬لتشمل‭ ‬إعادة‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬عبر‭ ‬آلية‭ ‬“سناب‭ ‬باك”‭ ‬Snap back‭ ‬بعدما‭ ‬اتهمت‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الثلاث‭ ‬الموقّعة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬النووية‭ ‬طهران‭ ‬بأنها‭ ‬طوّرت‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬رؤوس‭ ‬نووية،‭ ‬بانتهاكٍ‭ ‬لقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬2231‭. ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الثلاث،‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬نحو‭ ‬إيران‭ ‬تميّزت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بطفح‭ ‬الكيل‭ ‬معها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬التجاوزات‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬النووية‭ ‬والباليستية،‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً‭ ‬نتيجة‭ ‬الممارسات‭ ‬الإقليمية‭ ‬العدائية‭ ‬ضد‭ ‬ناقلات‭ ‬النفط‭ ‬ومصفاة‭ ‬النفط‭ ‬“أرامكو”‭ ‬السعودية‭ ‬وإجراءات‭ ‬قمع‭ ‬المظاهرات‭ ‬داخل‭ ‬إيران‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬والتلويح‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬روسيا‭ ‬بدورها‭ ‬بدأت‭ ‬تعود‭ ‬عن‭ ‬اعتبارها‭ ‬إيران‭ ‬مفتاح‭ ‬عدم‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬اللااستقرار‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وذلك‭ ‬بعدما‭ ‬اتخذ‭ ‬التدخل‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬طابع‭ ‬الاستهانة‭ ‬بالسيادة‭ ‬والتحقير‭ ‬بالدولة‭ ‬والقمع‭ ‬للمظاهرات،‭ ‬وبعدما‭ ‬تبيّن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬سيؤجّج‭ ‬النزاع‭ ‬لبنانياً‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬الروسية‭ ‬لسوريا‭. ‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬انقلاباً‭ ‬كليّاً‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬لكنه‭ ‬تعديل‭ ‬له‭ ‬وقعه‭ ‬ويتزامن‭ ‬مع‭ ‬التغيير‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الأوروبية‭ ‬نحو‭ ‬السياسات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وبالذات‭ ‬الألمانية‭. ‬الأوروبيون،‭ ‬شأنهم‭ ‬شأن‭ ‬الأميركيين،‭ ‬قلقون‭ ‬من‭ ‬الطموحات‭ ‬التركية‭ ‬بقدر‭ ‬قلقهم‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬الإيرانية‭. ‬العنوان‭ ‬الأساسي‭ ‬للاستياء‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيّب‭ ‬أردوغان‭ ‬هو‭ ‬منظومة‭ ‬S-400‭ ‬الروسية‭ ‬المضادة‭ ‬للصواريخ‭ ‬التي‭ ‬يصرّ‭ ‬على‭ ‬شرائِها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬احتجاج‭ ‬كامل‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬ناتو‭). ‬إنما‭ ‬العناوين‭ ‬الأخرى‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬تشمل‭ ‬تمدّد‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ضد‭ ‬الأكراد،‭ ‬ومذكرتيّ‭ ‬التفاهم‭ ‬مع‭ ‬فايز‭ ‬السرّاج‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الرئاسي‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬الليبية‭ ‬حول‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬وتحديد‭ ‬مناطق‭ ‬السيادة‭ ‬البحرية‭ ‬واللتين‭ ‬أثارتا‭ ‬الاستنكار‭ ‬الغربي‭ ‬والعربي‭ ‬وخلافات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬حول‭ ‬استثمارات‭ ‬قطاع‭ ‬الغاز‭. ‬

علاقة‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الودّية‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أنقذت‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬حيناً‭ ‬وضلّلته‭ ‬حيناً‭ ‬آخر‭. ‬وقريباً‭ ‬سيستاء‭ ‬أردوغان‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬عندما‭ ‬يغض‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬النظر‭ ‬عمداً‭ ‬عن‭ ‬عقوبات‭ ‬قاسية‭ ‬ينوي‭ ‬الكونغرس‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬بسبب‭ ‬سياسات‭ ‬أردوغان‭ ‬الاستفزازية‭ ‬والابتزازية‭. ‬سيستاء‭ ‬لأن‭ ‬صديقه‭ ‬ترامب‭ ‬لن‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬ليعرقلها‭ ‬أو‭ ‬يخففها‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬فحوى‭ ‬عدم‭ ‬احتجاجه‭ ‬عليها‭ ‬هو‭ ‬الموافقة‭. ‬فدونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مزاج‭ ‬خوض‭ ‬معركة‭ ‬مع‭ ‬الكونغرس‭ ‬بسبب‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬اختال‭ ‬كالطاووس‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬أثناء‭ ‬اجتماع‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭. ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬يريد‭ ‬تجنّب‭ ‬الانجرار‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬الدولية،‭ ‬وما‭ ‬يخشاه‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتهوّر‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وتستهدف‭ ‬مواقع‭ ‬وقواعد‭ ‬وقوات‭ ‬أميركية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لأنه‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتمكّن‭ ‬عندئذ‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬إجراءات‭ ‬عقابية‭. ‬“إيلاف”‭.‬