قهوة الصباح

لبنان والعراق بحاجة إلى مخْلص وليس إلى “مخ” لص

| سيد ضياء الموسوي

عندما‭ ‬يصرخ‭ ‬الرغيف‭ ‬تسكت‭ ‬المسبحة‭ ‬وتخجل‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭. ‬صرخة‭ ‬مدوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية؛‭ ‬لأجل‭ ‬التمسك‭ ‬بأقل‭ ‬ما‭ ‬بقى‭ ‬من‭ ‬رداء‭ ‬من‭ ‬حقوق‭. ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬مظاهرات‭ ‬عارمة‭ ‬ضد‭ ‬محاولة‭ ‬تعديل‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬حيث‭ ‬وطأة‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬غير‭ ‬المأنسن،‭ ‬حيث‭ ‬حريرية‭ ‬معيشة‭ ‬الأغنياء‭ ‬وبؤس‭ ‬المهمشين،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬التي‭ ‬أتنبأ‭ ‬مستقبلا‭ ‬باندلاع‭ ‬مظاهراتها‭ ‬من‭ ‬جموع‭ ‬جائعة؛‭ ‬إذ‭ ‬يئن‭ ‬اقتصادها‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الديون،‭ ‬ولا‭ ‬تعلم‭ ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬وزراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬التلاعب‭ ‬بالأرقام‭ ‬المخدرة،‭ ‬هذا‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬إسبانيا‭ ‬واليونان‭ ‬والبرتغال‭ ‬وحيث‭ ‬تراجع‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬عملاق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ألمانيا‭. ‬كل‭ ‬مقولات‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬في‭ ‬خطورة‭ ‬تحميل‭ ‬الناس‭ ‬ضرائب‭ ‬أخطاء‭ ‬أنظمة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التي‭ ‬تستثني‭ ‬الفساد‭ ‬والإصرار‭ ‬بمشاريع‭ ‬فاشلة‭ ‬يدفع‭ ‬ضريبتها‭ ‬الناس‭ ‬الفقراء‭ ‬أو‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ظلم‭ ‬التوزيع‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬أناس‭ ‬عظماء‭ ‬كفكتور‭ ‬هوجو‭ ‬او‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬أو‭ ‬تشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬في‭ ‬رواياتهم‭ ‬توضح‭ ‬خطر‭ ‬الجشع‭. ‬فالجشع‭ ‬خطير‭. ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬“ويأتي‭ ‬زمان‭ ‬لا‭ ‬بالقليل‭ ‬يقنعون‭ ‬ولا‭ ‬بالكثير‭ ‬يشبعون”‭. ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬خطرا‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يفصلون‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجع‭ ‬اليومي‭ ‬بترويج‭ ‬أن‭ ‬“كل‭ ‬شي‭ ‬بخير،‭ ‬والناس‭ ‬في‭ ‬بحبوحة‭ ‬من‭ ‬العيش”‭. ‬ينطبق‭ ‬عليهم‭ ‬قول‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭: ‬إنهم‭ ‬كذابون‭.. ‬ويعلمون‭ ‬أنهم‭ ‬كذابون‭.. ‬ويعلمون‭ ‬أننا‭ ‬نعلم‭ ‬أنهم‭ ‬كذابون‭.. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهم‭ ‬يكذبون‭ ‬بأعلى‭ ‬صوت‭..‬‭ ‬ويتصدرون‭ ‬القافلة”‭.‬

الحب‭ ‬فوق‭ ‬هضبة‭ ‬الهرم،‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬الدولة‭ ‬ويكرهون‭ ‬الناس؛‭ ‬لأنهم‭ ‬يجعلون‭ ‬الدولة‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬افتراضي،‭ ‬ويزورون‭ ‬حقيقة‭ ‬تشّكل‭ ‬الإعصار،‭ ‬ويستغلون‭ ‬صمت‭ ‬الأرض،‭ ‬وهي‭ ‬تغلي‭ ‬من‭ ‬البركان‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬الذين‭ ‬يقتربان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الانهيار‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭. ‬شعبان‭ ‬جائعان‭ ‬ومصرف‭ ‬لبنان‭ ‬ممتلئ‭ ‬بـ‭ ‬175‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أكثرها‭ ‬لزعماء‭ ‬الطوائف‭. ‬المثقف‭ ‬الصادق‭ ‬أو‭ ‬المسؤول‭ ‬الصادق‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يطرح‭ ‬الحقيقة،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإنجازات‭ ‬ويطرح‭ ‬الأخطاء‭ ‬بصدق‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬لي‭ ‬كوان‭ ‬يو‭ ‬وباك‭. ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬“باك”‭ ‬حرر‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬بشعار‭ ‬“الأولوية‭ ‬للبطون‭ ‬الجائعة”،‭ ‬فوصلت‭ ‬كوريا‭ ‬للسماء‭. ‬العراق‭ ‬يوزع‭ ‬شهداءه‭ ‬على‭ ‬الأرصفة‭ ‬باكيًا،‭ ‬وأصبح‭ ‬الانفجار‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الشيعية‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر؛‭ ‬لأن‭ ‬الجماهير‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬التجأت‭ ‬إلى‭ ‬العقيدة‭ ‬كفخ‭ ‬لاستغلال‭ ‬الناس‭ ‬تحت‭ ‬سياسة‭ ‬“جوعوا‭ ‬انتم‭ ‬ودعوا‭ ‬الدولة‭ ‬لنا”‭. ‬إنه‭ ‬التخدير‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬أصحاب‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬وبقية‭ ‬الأحزاب‭ ‬المنتفعة،‭ ‬لكن‭ ‬العراقيين‭ ‬اكتشفوا‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات،‭ ‬والتسلل‭ ‬الإيراني،‭ ‬فبان‭ ‬المكشوف‭. ‬الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬خدروا‭ ‬الناس‭ ‬طائفيًا،‭ ‬وقسموها‭ ‬إلى‭ ‬كانتونات‭ ‬حزبية،‭ ‬وفصلوا‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬العربي،‭ ‬وهم‭ ‬وأولادهم‭ ‬تقاسموا‭ ‬المليارات‭ ‬باسم‭ ‬الناطقين‭ ‬باسم‭ ‬الطائفة‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬ينقذ‭ ‬الوضع‭ ‬إلا‭ ‬دائرة‭ ‬واحدة‭ ‬بحكومة‭ ‬توكنوقراط‭ ‬بدماء‭ ‬شبابية‭ ‬متصالحة‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬ومع‭ ‬العصر‭. ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬عدالة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فقد‭ ‬كفروا‭ ‬بها،‭ ‬ولكن‭ ‬يطلبون‭ ‬مساواة‭ ‬في‭ ‬الظلم‭ ‬تحت‭ ‬مقولة‭ ‬“لم‭ ‬نعد‭ ‬نُريد‭ ‬العدل؛‭ ‬لأنهُ‭ ‬مُستحيل

وكل‭ ‬ما‭ ‬نُطالب‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬توزيع‭ ‬الظلم‭ ‬بطريقة‭ ‬عادلة‭ ‬فقط‭!‬”‭. ‬فمثل‭ ‬هذه‭. ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الظلم‭. ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الشمولية‭ ‬والحكومات‭ ‬الشيوعية‭ ‬والبعثية‭ ‬والديكتاتورية‭ ‬هي‭ ‬الحكومات‭ ‬الدينية؛‭ ‬لأنها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬الناس‭ ‬تدعي‭ ‬أن‭ ‬السكينة‭ ‬تلقتها‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬وبمباركة‭ ‬من‭ ‬الملائكة‭. ‬لاحظوا‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬الأحزاب‭ ‬شراسة‭ ‬ضد‭ ‬حقوق‭ ‬العراقيين‭ ‬واللبنانيين‭ ‬اليوم‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬لعشرات‭ ‬السنين‭ ‬يرفعون‭ ‬شعارات‭ ‬حقوق‭ ‬العدالة،‭ ‬ووجع‭ ‬الناس‭ ‬ولغة‭ ‬الرغيف‭. ‬الحقيقة‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬المؤلمة،‭ ‬إن‭ ‬البشر‭ ‬يستخدمون‭ ‬كل‭ ‬شي‭ ‬لأجل‭ ‬نظام‭ ‬مصالحهم،‭ ‬نعم‭ ‬تختلف‭ ‬الأغطية،‭ ‬ولكن‭ ‬الجسد‭ ‬واحد‭. ‬أقول‭: ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مُخْلص‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬“مُخ”‭ ‬لِص‭. ‬